كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [الرعد:
١٤] وانظر إلى ما فيها من روعة التشبيه.
وقوله تعالى: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة: ٧].
وأما المجاز المرسل فاقرأه في مثل قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً [غافر: ١٣] وإنما الذي ينزل سبب الرزق وهو المطر، وفي قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين: ٢٢] والنعيم معنى يحل في مكان يكون فيه الأبرار، وفي قوله تعالى: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح: ٢٧] والمولود لا يكون فاجرا إلا باعتبار ما سيكون.
٢ - الوسائل البعيدة: وهي ذاك التناسق الفني الذي يبلغ الذورة في التصوير، بتخير الألفاظ ونظمها في نسق خاص يبلغ في الفصاحة أرقى درجاتها، وينشأ عنه إيقاع موسيقي رفيع، مع تسلسل معنوي بين الأغراض في سياق الآيات، فتخرج الكلمة والجملة في قالب من اللفظ وطريقة الأداء يبث في الإحساس والخيال صورة مجسمة حية للمعنى.
على أنه ليس بمقدور الفكر الإنساني: أن يقف على القاعدة التي يتم بها تصوير اللفظ القرآني للمعنى، ليتخذها ضابطا في صياغة الكلام، بل كل ما في الإمكان أن يعلم ويحس: أن اللفظ القرآني يصور المعنى ويلصق صورته وشكله بالإحساس، بتأثير من تناسق حروفه وحركاته، وتركيب مفرداته وجمله.
والأمثلة على ذلك القرآن كله:
واقرأ إن شئت- على سبيل المثال- قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة: ٣٨] ليتصور في خيالك ذلك الجسم المتثاقل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل وكأنه القناطير المقنطرة من الأثقال، كل ذلك يرسمه في خيالك هذا اللفظ المختار (اثاقلتم).