١ - التحسين الذي يبيّن إعراب الكلمات ويمنع اللحن فيها: فقد علمنا أن الرسم القرآني كان خاليا عن الشكل الذي يبيّن إعراب الكلمات نصبا أو رفعا، وجرا أو جزما، وأن العربيّ كان بسليقته يهتدي إلى قراءتها على وجه الصواب، لأنه لا يمكن- وهو فطريّ اللسان- أن يرفع المفعول وينصب الفاعل، وغير ذلك.
ولكن لما اتّسعت الفتوحات، وأقبل المسلمون غير العرب على تعلم القرآن وقراءته واختلط العرب بغيرهم وكاد لسانهم أن يستعجم، وفشا اللحن في اللغة العربية على الألسنة وكاد أن يصل إلى القرآن، فخشي المسلمون أن ينتشر ذلك ويكثر ويمتد إلى كتاب الله تعالى، فيقع التحريف في أدائه ومعناه، فأسرعوا إلى تدارك الأمر قبل أن يستفحل، ووضعوا علامات يعرف بها إعراب كلماته.
وكان السابق لهذا الفضل، والمباشر لهذا التحسين لأول مرة هو أبو الأسود الدؤلي الذي وضع قواعد النحو بإشارة من عليّ رضي الله عنه.
والذي فعله أبو الأسود: هو أنه جعل علامات الإعراب نقطا على أواخر الحروف فقد جعل علامة النصب نقطة فوق الحرف، وعلامة الرفع نقطة وسطه، وعلامة الجر نقطة تحته، وعلامة السكون نقطتين. وكان السبب المباشر لقيامه بهذا العمل، هو أنه سمع قارئا يقرأ قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بكسر اللام من (رسوله) فقال: عزّ وجه الله أن يبرأ من رسوله، وقال:
ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا. وكان زياد بن أبيه، قد طلب منه أن يعمل شيئا يكون إماما، ويعرف به كتاب الله عزّ وجلّ فاستعفاه من ذلك، ولكن لما سمع ما سمع، رجع إلى زياد وأخبره أنه عازم على فعل ما طلب منه، واستعانه بكاتب يفعل ما يقوله له، وقال للكاتب لما بدأ العمل: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، ففعل ذلك «١».

(١) كتاب النقط؛ لأبي عمرو الداني (ص ١٢٤ - ١٢٥).


الصفحة التالية
Icon