ووجه الجمع بين الأخبار هنا أن نقول: حيث إنّ النّبيّ ﷺ عرض عليه القرآن في عامه الّذي توفّي فيه مرّتين باعتبار وقوع ذلك منه مع جبريل عليه السّلام، أو مرّات باعتبار وقوع العرض من الطّرفين النّبيّ ﷺ وجبريل عليه السّلام، فيكون زيد حضر إحداها وابن مسعود الأخرى.
٤ - مستند زيد في الجمع إنّما كان الصّحف الّتي جمعها في عهد الصّدّيق، ولم يعتمد حفظه أو حفظ غيره مجرّدا.
كذلك فإنّه لم ينفرد بشيء غير التّكليف بمسئوليّة وظيفة الجمع،
وقد وافقه عثمان حيث تمّ ذلك بإشرافه، وعليّ بن أبي طالب وأبيّ بن كعب وغيرهم من كبار الصّحابة ممّن تنتهي إليهم أسانيد قراءات القرّاء السّبعة وغيرهم من القراءات الّتي هي على وفاق المصحف في الرّسم، بل إجماع الصّحابة وعامّة التّابعين حاصل على ذلك، ما شذّ عنهم غير ابن مسعود.
٥ - وأمّا شأن المعوّذتين، فإنّ ابن مسعود لم يجحد أن تكونا ممّا أنزله الله، وإنّما حسب أنّهما دعاء أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن علقمة النخعيّ، عنه: أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف، ويقول: إنّما أمر النّبيّ ﷺ أن يتعوّذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما (١).
_________
(١) حديث حسن. أخرجه البزّار في «مسنده» (رقم: ١٥٨٦) والطّبرانيّ في «الكبير» (٩/ ٢٦٩) من طريق حسّان بن إبراهيم، عن الصّلت بن بهرام، عن إبراهيم، عن علقمة، به.
والسّياق المذكور للبزّار، وهو أجود من سياق الطّبرانيّ، إذ جاء نفي القراءة بهما عند الطّبرانيّ مدرجا في جملة الحديث، فأوهمت أنّ النّبيّ ﷺ لم يكن يقرأ بهما.
قلت: وإسناده حسن، حسّان صدوق، وسائر الإسناد ثقات.


الصفحة التالية
Icon