وعن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عنه أنّه كان يقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه، فإنّما هما معوّذتان تعوّذ بهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (قل أعوذ بربّ الفلق) و (قل أعوذ بربّ النّاس)، وكان عبد الله يمحوها من المصحف (١).
فابن مسعود يعلم المعوّذتين، ويقرّ بكون النّبيّ ﷺ أمر بالتّعوّذ بهما، لكنّه ينكر أن تكونا من القرآن، ولا ريب أنّ مثل هذا عظيم الخطر، لكنّه رضي الله عنه خفيه أن تكونا قرآنا، وغيره كان أعلم بهما وأنّهما كانتا من القرآن، بل اتّفاق الجميع، وكفى به برهانا على غلط ابن مسعود، فروايته للقرآن عن النّبيّ ﷺ ناقصة، والفرد مهما بلغ في العلم والمعرفة؛ فإنّه يفوته الشّيء من ذلك، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
ولا يردنّ في خاطرك أن يكون ما ذكره ابن عبّاس من أنّ ابن مسعود شهد العرضة الأخيرة فعلم ما نسخ، فكان المعوّذتان ممّا نسخ، فإنّهما لو كانتا كذلك في نظر ابن مسعود لكان ذلك أقوى في حجّته على نفيهما من المصحف، ولما احتاج أن يعلّل نفيهما بكونهما دعاء أوحي إلى النّبيّ ﷺ ليستا بقرآن، ثمّ إنّ المنسوخ قرآن أيضا لكنّه نسخ، وليس هكذا قول ابن
_________
(١) حديث صالح الإسناد. أخرجه الطّبرانيّ في «الكبير» (٩/ ٢٦٨) من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلاليّ، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن، به.
قلت: وإسناده صالح لا بأس به لموافقته الحديث الّذي قبله.


الصفحة التالية
Icon