فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ ٣٤ [الطّور: ٢٩ - ٣٤].
ويبقى القرآن يتحدّى ولا يرجع الكفّار جوابا، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٤ [هود: ١٤]، وأنّى لهم الجواب، والله يقول وهو أعلم بهم: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة: ٢٤].
قال الأديب الرّافعيّ: «فقطع أنّهم لن يفعلوا، وهي كلمة يستحيل أن تكون إلّا من الله، ولا يقولها عربيّ في العرب أبدا، وقد سمعوها واستقرّت فيهم ودارت على الألسنة، وعرفوا أنّها تنفي عنهم الدّهر نفيا، وتعجزهم آخر الأبد، فما فعلوا ولا طمعوا أن يفعلوا، وطارت الآية بعجزهم وأسجلته عليهم ووسمتهم على ألسنتهم، فلمّا رأوا هممهم لا
تسمو إلى ذلك، ولا تقارب المطمعة فيه، وقد انقطعت بهم كلّ سبيل إلى المعارضة، بذلوا له السّيف، وانصرفوا عن توهّن حجّته إلى تهوينها على أنفسهم بكلام من الكلام، فقالوا: ساحر، وشاعر، ومجنون، ورجل يكتتب أساطير الأوّلين، وإنّما يعلّمه بشر، وأمثال ذلك، ممّا أخذت به الحجّة عليهم، وكان إقرارا منهم بالعجز، إذ جنحوا فيه إلى سياسة الطّباع والعادات»
(١).
_________
(١) إعجاز القرآن، لأديب الإسلام مصطفى صادق الرّافعي (ص: ١٧٠).


الصفحة التالية
Icon