ويلاحظ دلالة الآية على قلّة ما فيه التّشابه من آي الكتاب ممّا لا يعلم تأويله إلّا الله، وجعل أمّ الكتاب أي معظمه محكمات تدرك معانيها، وينبني عليها عمل.
واعلم أنّ الابتلاء بالمتشابهات إنّما هو لاختبار الإيمان والتّصديق، ولذا قال سبحانه: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وهذا هو قدر التّكليف الّذي يتّصل بها.
ويتّجه أن يكون من ذلك الحروف المقطّعة في أوائل بعض السّور، فإنّه لم يوقف على حقيقة المراد بها، وخوض من خاض في تفسيرها تكلّف ليس وراءه كبير منفعة، غاية ما يقال كرأي كثيرين: إنّها للتّنبيه على عربيّة هذا القرآن، حيث جاء نظمه مؤتلفا من حروف كلامهم، ولذا يأتي في أكثر المواضع ذكر الكتاب بعدها.
ونفت طائفة أن يكون في القرآن ما لا سبيل إلى العلم به، قالوا:
لأنّ الله أنزل هذا القرآن للتّدبّر، فكيف يقع فيه ما يستأثر الله بعلمه؟
والصّواب أنّه لا منافاة بين التّدبّر وإدراك معنى اللّفظ ودلالته بل وبناء الاعتقاد أو العمل على مقتضاه، وبين تعذّر إحاطة العلم بذلك، فإنّ الله تعالى قد عرّفنا بنفسه في كتابه وسنّة نبيّه ﷺ بما أخبرنا به من أسمائه وصفاته، وما أمرنا بتدبّره من آياته وآثار أفعاله، مع احتجابه عنّا، فعرفناه وآمنّا به دون أن نحيط به علما، ولم يكن ممّا أراد منّا في خطابه أن نتتبّع ما لا