وهذه منازل الحفّاظ في الآخرة.
هذا الّذي أوردت هنا هو أحسن ما يستدلّ به للحثّ على حفظ القرآن واستظهاره، وهو مبين عن درجات رفيعة ومنازل عليّة يغني في هذا الباب عن أحاديث ذوات عدد تحثّ على حفظ القرآن واستظهاره، هي ضعيفة أو موضوعة، إذ لست أحلّ لنفسي الاستدلال بضعيف الحديث، فضلا عن الواهي والموضوع.
هدي الصحابة في حفظ القرآن:
كان سلف الأمّة من أصحاب النّبيّ ﷺ أحرص النّاس على الاعتصام بهذا الكتاب، وأعلم النّاس به، وأعرفهم بما يجب في حقّه
من العناية، فحريّ بمن بعدهم أن يسلك هداهم في ذلك، وأن يعرف عنهم كيف كانوا يأخذون هذا القرآن، فإنّهم القوم الّذين كانوا يغذّون به في اللّيل والنّهار، يصبّحهم النّبيّ ﷺ ويمسّيهم بجديده، ولم تكن الكتابة شائعة، ولا المصاحف موجودة مهيّأة كما صارت لمن بعدهم، فهم إلى حفظه في الصّدور يومئذ كانوا أحوج ممّن بعدهم، فكيف كانوا يحفظون؟ هذا ما نتبيّنه فيما يأتي من صحيح الأخبار:
١ - عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: «كان الرّجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ» (١).
_________
(١) أثر صحيح. أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (١/ ٣٥) وتقدّم (ص: ٩١).