المسلم نصيب من ترك العمل بالقرآن بتقصيره في الطّاعات ومواقعته المعاصي، غير أنّ هذا لا يلحقه بالمعرضين، ما دام قلبه منطويا على حسن الاعتقاد في القرآن، وأنّ خروجه عن متابعته فيما خرج به عنه ليس استباحة لخلاف حكم الله، ولا رضا بذلك، إنّما مع الإقرار بالذّنب والتّقصير، كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢]، فهؤلاء الأصناف الثّلاثة كلّهم على خير وإن تفاوتت درجاتهم، وهذا الّذي هو ظالم لنفسه منهم تارك للعمل ببعض الكتاب، لكنّه غير معرض، إنّما هو مذنب معترف توّاب، يرجو رحمة ربّه ويخاف عقابه.
فالمؤمن لا يوصف بالإعراض عن القرآن.
أمّا هجر القرآن فهو تركه، فيدخل فيه: ترك الإيمان به، وترك العمل به، وترك قراءته وتدبّره.
فيندرج تحت هجره إعراض الكفّار عنه، كما قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ٢٦ [فصّلت: ٢٦]، فهؤلاء هجروا القرآن هجرا تامّا، وهم القوم المرادون بقوله تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ٣٠ [الفرقان: ٣٠].
ومثل هؤلاء كما قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا