المخطوطات. وتناول في هذا الفصل مؤلفات الأهوازيّ وتتبعها في مظانّها، وأشار إلى ما بقي منها ووصل إلى زماننا، وعني بتتبع رواة هذه الكتب تأكيدا لوجودها، وإشعارا بأهمّيتها في هذا العلم، فكانت حصيلة ما وقف عليه اثنين وعشرين كتابا. ثم ذكر وفاته، وختم الفصل ببيان منزلته العلمية، وأورد ما تعرّض له من حملة شديدة في
الحطّ عليه والطّعن به من قبل الأشاعرة، وفنّد كثيرا منها، وقوّم الرجل بما يستحقّه من منزلة بين المسهمين في هذا العلم.
أما الفصل الثاني فقد تناول فيه بالدراسة كتاب «الوجيز» فتكلّم على منهجه من حيث خطته وتبويبه مدعما ذلك بالأمثلة المدلّلة عليه. وتطرق إلى رواة «الوجيز» وأهميته فاستطاع- بحمد الله ومنّه- الوقوف على ثلاث روايات رئيسة له هي روايات: المصينيّ، وابن قيراط، وغلام الهرّاس، فتتبعها عبر العصور مستعينا بعدد ضخم ومتنوع من المصادر لم يزل الكثير منها مخطوطا. ثم انتقل إلى وصف النّسخة الخطّية وما ورد فيها من سماعات، وختم الفصل ببيان منهجه في تحقيق هذا الكتاب.
ومن المعلوم في بدائه علم تحقيق النصوص أن اعتماد نسخة خطية واحدة للنص عند تحقيقه يثير كثيرا من الصعوبات والمخاطر، لكن الدكتور دريد استطاع بفضل من الله ومنّة أن يتجاوز تلك المخاطر حين قام بمقابلة مادة الكتاب على أمهات كتب القراءات وغيرها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومع كل هذا الذي قدّمت، فقد أعاد الدكتور دريد النّظر في الكتاب مستفيدا من خبرة السّنين الطويلة التي تصرّمت منذ تحقيقه الكتاب أول مرة. كما أعدت مراجعته وتدقيقه وتهيئته للطباعة حتى تجلّى بهذه الصّفة الرائقة التي نرجو الله سبحانه أن تعم بها فوائده، وترتجى منها عوائده.
إن ظهور هذا الكتاب من محبسه ونشره يقدم خدمة جلّى للدراسات القرآنية خاصة، ولغة القرآن عامة، فهو كتاب «وجيز» كما وصفه مؤلفه يسهل على طلبة العلم تتبعه وإدراكه من غير خوض في تفصيلات قد تكون قليلة الفائدة، وهو مما يفيد منه المختص والمتعلم لكتاب الله عز وجل من غير المختصين على حد سواء.
ومما يزيد في قيمة هذا الكتاب ويعليها أن مؤلفه واحد من جهابذة هذا العلم، فهو «مقرئ أهل الشام بلا مدافعة معرفة وضبطا وعلو إسناد» كما وصفه الإمام الذهبي «١». وهو الذي «لم يلحقه أحد في هذا الشأن» كما عبّر عنه إمام عصره شمس الدين ابن الجزري «٢».
ولا بدّ لي أن أنوّه بعمل الدكتور دريد، فحق لمن يتقن عمله العلمي أن ينوّه بفضله،
(٢) النشر ١/ ٣٥.