يسمعونه من رسول الله ﷺ ولهذا فإن الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أمر الجماعة الذين نسخوا المصاحف أن يكتبوه على لسان قريش، لأنه هو النطق المنزل به.
ولا شك في أن أهل مكة كانوا أقدر على تحقيق نطق القرآن كما نطقه رسول الله ﷺ لأنهم قومه وعشيرته، أما غيرهم من العرب فكانوا متفاوتين في القدرة على تحقيق ذلك النطق، بحسب قرب أو بعد لغاتهم (أي لهجاتهم) من لغة أهل مكة، ومن ثمّ ظهرت مشكلة أهل مكة. وقد أشار بعض العلماء إلى أن تلك المشكلة ظهرت بصورة واضحة بعد الهجرة، حين دخل في الإسلام أفراد من قبائل عربية متباينة النطق (١).
وأمام ذلك الوضع اللغوي المعقد لم يحمل رسول الله ﷺ الناس على تعلم نطق قريش، ولم يمنعهم من قراءة القرآن، وإنما رخّص لهم أن يقرءوا القرآن بالنطق الذي يمكنهم تحقيقه، قال الصحابي عبد الله بن عباس (ت ٦٨ هـ) حول الموضوع: «إن النبيّ ﷺ كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل، فقال: يا محمد، أقرئ كلّ قوم بلغتهم» (٢).
وروى الترمذي في سننه عن أبي بن كعب أنه قال: «لقي رسول الله ﷺ جبريل، فقال: يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير، والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط! قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح قد ورد عن أبيّ بن كعب من غير وجه (٣).

(١) ينظر: ابن حجر: فتح الباري ٩/ ٢٨، وعبده الراجحي: اللهجات العربية في القراءات القرآنية ص ٦٨.
(٢) ينظر: أبو شامة: المرشد الوجيز ص ٩٥.
(٣) سنن الترمذي ٥/ ١٧٨.


الصفحة التالية
Icon