وقد تواتر في أحاديث صحيحة كثيرة أن النبي ﷺ قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه». وبلغ عدد الصحابة الذي رووا ذلك عن رسول الله ﷺ واحدا وعشرين صحابيا (١)، في مناسبات متعددة، ووردت روايات الحديث في أصح كتب الحديث وكتب التفسير وعلوم القرآن (٢).
وكانت رخصة الأحرف السبعة حلّا لمشكلة واجهت الصحابة في عصر النبوة حيث يسّرت عليهم قراءة القرآن، من غير أن يختل نظمه أو تتحرف كتابته، قال ابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ): «وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السّلام وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم. فالهذليّ يقرأ: عتى حين، يريد: حَتَّى حِينٍ ٥٤ [المؤمنون] لأنه كان يلفظ بها ويستعملها. والأسديّ يقرأ تعلمون وتعلم وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ١٠٦ [آل عمران] وأَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ٦٠ [يس]. والتميمي يهمز والقرشيّ لا يهمز، والآخر يقرأ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ١١ [البقرة] ووَ غِيضَ الْماءُ ٤٤ [هود] بإشمام الضم مع الكسر، وهذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف] بإشمام الكسر مع الضم، وما لَكَ لا تَأْمَنَّا ١١ [يوسف] بإشمام الضم مع الإدغام وهذا ما لا يطوع به كل لسان.
«ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده

(١) ينظر: السيوطي: الاتقان ١/ ١٣١.
(٢) ينظر روايات الحديث: صحيح البخاري (فتح الباري) ٩/ ٢٣، وصحيح مسلم بشرح النووي ٦/ ٩٨، وسنن الترمذي ٥/ ١٧٧، وسنن النسائي ٢/ ١٥٠، وسنن أبي داود ٢/ ٧٥، وتفسير الطبري المسمى جامع البيان ١/ ١٤ وما بعدها، ومكي: الإبانة ص ٦٢ - ٦٩، وأبو شامة: المرشد الوجيز ص ٧٧ - ٨٩.


الصفحة التالية
Icon