علماء الصحابة يعلّمون في البيوت إضافة إلى المسجد، وكان الواحد يتنقل من بلد إلى آخر كما فعل معاذ بن جبل حيث خرج من المدينة، وعلّم في مكة، وذهب إلى اليمن، ثم رجع إلى المدينة ليخرج بعدها إلى الشام. لكن تعليم القراءة بعد عصر النبوة صار يأخذ شكل التعليم المنظم، في المكان والطريقة، وصار المعلمون أكثر استقرارا، على نحو يجعل من كل واحد منهم مدرسة لها تميزها وأثرها بعد ذلك في رواية القراءات وتعليمها. فكان أبو الدرداء، قاضي دمشق وسيد القراء فيها، يجعل الناس حين
يجتمعون عليه بعد صلاة الغداة للقراءة عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريف أو ملقن، حتى بلغ الذين يقرءون القرآن عنده أزيد من ألف رجل، وهو يقف في المحراب يرمقهم ببصره، وقد يطوف عليهم قائما، فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء يعرض عليه، وكان عبد الله بن عامر عريفا على عشرة، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر (١).
وكان أبو الدرداء هو الذي سنّ الحلق للقراءة (٢).
وكان أبو موسى الأشعري يعلّم الناس القرآن في مسجد البصرة وكان يجلسون إليه حلقا حلقا (٣)، وكان يعلّم القرآن خمس آيات خمس آيات (٤).
وجاء أبو عبد الرحمن السلمي إلى الكوفة مع المصحف الذي أرسله عثمان إلى أهلها، فجلس في المسجد الأعظم فيها لتعليم الناس القرآن، ولم يزل يقرئ بها أربعين سنة (٥). فكان يقرئهم عشرين آية بالغداة وعشرين آية بالعشي، ويخبرهم بموضع العشور والخموس، وكان يقرأ خمس آيات خمس آيات (٦).
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء ٢/ ٢٤٩، والحلق بفتحتين، أو بكسر وفتح، جمع حلقة.
(٣) الحاكم: المستدرك ٢/ ٢٢٠.
(٤) ابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٦٠٤.
(٥) ابن مجاهد: كتاب السبعة ص ٦٨.
(٦) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٦/ ١٧٢، والذهبي: معرفة القراء ١/ ٤٦.