وكان أبو عبد الرحمن يبدأ بأهل السوق لئلا يحتسبوا عن معايشهم (١)، واقتدى به عاصم في ذلك (٢). ولكن حمزة كان يقدّم الفقهاء من طلبة العلم (٣).
ولا شك في أن عدد الذين قرءوا القرآن من التابعين على علماء الصحابة كبير جدا، لا يأتي عليهم الحصر، لكن الذين تخصصوا بالقراءة من ذلك العدد الكبير، وخلفوا الصحابة في تعليم القرآن، كانوا معدودين، فقد اشتهر منهم في كل مصر جماعة، تصدروا للإقراء، فعلّموا تابعي التابعين قراءة القرآن، ثم خلفهم تلامذتهم من تابعي التابعين الذين كان من بينهم القراء السبعة المشهورون الذين سنتحدث عنهم وعن قراءاتهم في المبحث الآتي، إن شاء الله تعالى.
المبحث الخامس القراء السبعة وأصول قراءتهم
كانت الأمصار الخمسة: مكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، والشام (دمشق)، هي المراكز العلمية التي نبتت فيها العلوم الإسلامية في عصر الصحابة والتابعين. وكان علماء القراءة من التابعين قد خلفوا الصحابة في تعليم الناس القرآن في تلك الأمصار، وما عداها من البلدان التي استنارت بنور الدعوة الجديدة، وواصل تلامذتهم الاضطلاع بواجب التعليم الذي لم ينقطع عبر أجيال الأمة، لأن القراءة سنّة يأخذها الآخر عن الأول.
وأخذت القراءات القرآنية تتحدد معالمها في عصر التابعين وتابعيهم، وتتشكل اتجاهاتها الرئيسية، مستمدة مادتها من قراءات الصحابة الذين تشرفوا بصحبة النبي ﷺ وتلقي القرآن منه، والذين خصهم الله تعالى برخصة التيسير في القراءة.
(٢) ابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٣٤٧.
(٣) ابن الجزري: منجد المقرئين ص ٨.