وتسمية القراءة القرآنية باسم القارئ ليس مبنيا على أساس أنه اخترع تلك القراءة بل لأنه اختارها ودوام عليها وعلّمها، قال الدانيّ: «إن معنى إضافة ما أنزل الله تعالى إلى من أضيف إليه من الصحابة، كأبيّ وعبد الله وزيد وغيرهم، من قبل أنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به، وملازمة له وميلا إليه، لا غير ذلك. وكذا إضافة أن
ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، ودوام عليه ولزمه، حتى اشتهر به، وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد» (١).
وقد كان لمعظم علماء الإقراء في القرن الثاني الهجري اختيار في القراءة فكان نافع بن عبد الرحمن (ت ١٦٩ هـ) إمام أهل المدينة قد قال: «قرأت على سبعين من التابعين» (٢)، وقال: «فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته وما شذّ فيه واحد تركته، حتى ألّفت هذه القراءة في هذه الحروف» (٣).
وكان علي بن حمزة الكسائي (ت ١٨٩ هـ) «قد قرأ على حمزة ونظر في وجوه القراءات، وكانت العربية علمه وصناعته، واختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة، غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة، وكان إمام الناس في القراءة في عصره» (٤). وقال ابن النديم: «وكان الكسائي من قراء مدينة السلام، وكان أولا يقرئ بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة، فأقرأ بها الناس في خلافة هارون» (٥).
(٢) ابن مجاهد: كتاب السبعة ص ٦٢.
(٣) المصدر نفسه، ومكي: الإبانة ص ١٧.
(٤) كتاب السبعة ص ٧٨.
(٥) الفهرست ص ٣٠.