وصارت كلمة (اختيار) تساوي كلمة (قراءة)، فإذا قيل: اختيار حمزة فإنما ذلك يعني قراءته، لكن قراءات الصحابة لم تستخدم فيها كلمة اختيار، فكان يقال دائما قراءة ابن مسعود، وقراءة زيد وهكذا. وذكر ابن الجزري في كتابه (غاية النهاية في طبقات القراء) عشرات من اختيارات القراء، منها من غير اختيارات القراء السبعة اختيار خلف بن هشام (١)، واختيار يحيى بن مبارك اليزيدي (٢)، واختيار أبي حاتم السجستاني (٣)، واختيار أبي عبيد القاسم بن سلام (٤). وذكر لبعض القراء اختيارين مثل محمد بن عيسى الأصبهاني (٥).
ولم تستمر ظاهرة الاختيار إلى أبعد من القرن الثالث، فقد ذكر الذهبي أنه «سأل رجل ابن مجاهد: لم لا يختار الشيخ حرفا يحمل عليه؟ فقال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا» (٦).
وإذا كانت ظاهرة الاختيار في القراءة قد توقفت عند عصر ابن مجاهد (ت ٣٢٤ هـ) فإنها أدت إلى ظهور عدد من القراءات التي صارت تنسب إلى علماء القراءة الذين عاشوا في القرن الثاني الهجري خاصة. كما أنها أدت إلى اختفاء قراءات الصحابة مثل قراءة زيد أو قراءة عبد الله، أو ما كان يعرف بقراءة أهل المدينة أو قراءة أهل الكوفة، لأن عناصر هذه القراءات قد دخلت في اختيارات القراء مختلطة بعضها ببعض، وأوضح مثال على ذلك قراءة عاصم الذي جمعت قراءته عناصر من قراءة زيد بن ثابت عن طريق أبي عبد الرحمن السلمي، وعناصر
(٢) غاية النهاية ٢/ ٣٧٦.
(٣) غاية النهاية ١/ ١٤٦ و ١٤٨ و ٤٢٩.
(٤) غاية النهاية ١/ ١٨٨ و ٢/ ٣٤٧.
(٥) غاية النهاية ١/ ٩ و ٢/ ٦١ و ١٩٧ و ٢٢٣.
(٦) معرفة القراء ١/ ٢١٧.