الأمة على المصاحف التي أمر بانتساخها من الصحف التي جمع فيها القرآن في خلافة الصديق. وهكذا صارت موافقة القراءة لخط المصحف ركنا ثانيا من أركان القراءة الصحيحة، و «اجتمع القراء على ترك كل قراءة تخالف المصحف» (١).
فالقراءات القرآنية المروية عن الصحابة نقلها عنهم التابعون، لكن ما كان مخالفا لخط المصحف صار يعدّ شاذا لا يقرأ به، قال الزجاج: «القراءة بخلاف ما في المصحف لا تجوز، لأن المصحف مجمع عليه، ولا يعارض الإجماع برواية لا يعلم كيف صحتها» (٢).
وقد استخدم هذا الركن في الحكم على قراءة بكاملها، فقد قال ابن الجزري عن قراءة محمد بن محيصن المكي: «ولولا ما فيها من مخالفة المصحف لألحقت بالقراءات المشهورة» (٣).
ويتضح أثر شرط موافقة القراءة لخط المصحف من موقف علماء القراءة مما أقدم عليه محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ (ت ٣٢٨ هـ) فقد «كان يرى جواز القراءة بما صح سنده، وإن خالف رسم المصحف» (٤). وكان قد ناهضه إمام القراءة في عصره ببغداد أبو بكر بن مجاهد بسبب قراءاته تلك، وعقد له الوزير ابن مقلة مجلسا بحضور ابن مجاهد وجماعة من العلماء والقضاة وكتب عليه فيه المحضر، واستتيب عن مذهبه بعد اعترافه به (٥).
وأورد ابن النديم نص كتاب رجوع ابن شنبوذ عن مذهبه في القراءة بما خالف خط المصحف، وهو: «يقول محمد بن أحمد بن أيوب: قد كنت أقرأ
(٢) معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٧٤ وينظر ١/ ٩٧ و ٢١٩.
(٣) غاية النهاية ٢/ ١٦٧.
(٤) القسطلاني: لطائف الإشارات ١/ ١٠٥.
(٥) الذهبي: معرفة القراء ١/ ٢٢٣، وابن الجزري: غاية النهاية ٢/ ٥٤.