حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه، والذي اتفق أصحاب رسول الله ﷺ على قراءته، ثم بان لي أن ذلك خطأ، وأنا منه تائب، وعنه مقلع، وإلى الله، جلّ اسمه، منه بريء، إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه، ولا أن يقرأ بغير ما فيه» (١).
ولم يكن خط المصحف القديم سببا لنشأة القراءات أو وجودها، كما حاول بعض المستشرقين ومن قلدهم أن يصوروا ذلك (٢)، لأن تعلم القرآن وقراءته كان يستند إلى التلقي الشفهي في عصر النبوة وما بعده، فكان «الاعتماد في نقل القرآن على حفظ المصاحف والكتب» (٣). وكان تعدد وجوه القراءة معروفا في زمن النبي ﷺ قبل وجود المصاحف، فكانت قراءة الصحابة متعددة بفضل رخصة الأحرف السبعة، وإلى جانب ذلك كله فإن من القراءات ما كان مخالفا لخط المصحف، ولو كان الخط سببا لوجود القراءات لانحصرت القراءات فيما يحتمله الخط.
فلم يكن خط المصحف إذن سببا في وجود القراءات القرآنية أو اختلافها، ولكن الخط كان سببا في حفظ الاختلاف الموجود أصلا، لأن القراءة سنة متبعة (٤).
وكان الخط حين عدّت موافقته شرطا في قبول القراءة مقياسا يمنع ما لا يدخل في نطاقه مما صح من الروايات، فالرسم لا ينشئ القراءة ولكنه يحكم عليها (٥).
ولو كان خط المصاحف هو السبب في نشأة القراءات كما يزعم هؤلاء لوجب قبول كل قراءة احتملها خط المصحف، فما دامت القراءات هي اجتهاد القراء- بزعمهم- في قراءة المرسوم فإنه لا فضل للواحدة منها على الأخرى،
(٢) مثل جولد تسيهر: مذاهب التفسير الإسلامي ص ٨ - ٩، وبروكلمان: تاريخ الأدب العربي ١/ ٤٠، وعبد الله خورشيد: القرآن وعلومه في مصر ٩.
(٣) ابن الجزري: النشر ١/ ٦.
(٤) عبده الراجحي: اللهجات العربية في القراءات القرآنية ص ٧١.
(٥) عبد الصبور شاهين: القراءات القرآنية ص ٢١٠.