وحاول ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) أن يصوغ شرط موافقة القراءة لقواعد العربية صياغة فيها مرونة فقال: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه» (١) ثم شرح ذلك بقوله: «وقولنا في الضابط (ولو بوجه) نريد به وجها من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا، مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع، وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية» (٢).
وبجانب ذلك فإن العلماء مجمعون على أن القراءة لا تصح مهما كانت قوتها في العربية إذا لم تكن مروية، وفي قصة ابن محيصن، وعيسى بن عمر، وابن مقسم العطار، دليل قاطع على أن القراءات لا مجال فيها للاجتهاد والرأي.
أما ابن محيصن (وهو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ت ١٢٣ هـ) فإنه كان أحد قراء مكة في زمانه، وكان أعلمهم بالعربية، وقال ابن مجاهد: «كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه» (٣).
وكان عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري (ت ١٤٩ هـ) له اختيار في القراءة على قياس العربية (٤)، وقال أبو عبيد: «وكان عيسى بن عمر عالما بالنحو، غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية، يفارق قراءة العامة، ويستنكرها الناس» (٥).
وأما ابن مقسم العطار (وهو محمد بن الحسن البغدادي ت ٣٥٤ هـ) فإنه
(٢) المصدر نفسه ١/ ١٠.
(٣) ابن الجزري: غاية النهاية ٢/ ١٦٧.
(٤) المصدر نفسه ١/ ٦١٣.
(٥) السخاوي؛ جمال القراء ٢/ ٤٣٠.