كان «من أحفظ الناس لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات وله في التفسير ومعاني القرآن كتاب جليل سماه كتاب الأنوار وله أيضا في القراءات وعلوم النحو تصانيف عدة» (١). ولكنه على جلالة قدره وسعة علمه «عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع وقرأها وأقرأها على وجوه ذكر أنها تجوز في اللغة العربية، وشاع ذلك عنه عند أهل العلم فأنكروه عليه، وارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره واستتابه بحضرة القراء والفقهاء فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته، وأثبت من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه» (٢).
ثانيا- القراءة الشاذة:
القراءة الشاذة هي التي نقلت عن علماء القراءة الأوائل من الصحابة والتابعين لكنها مخالفة لخط المصاحف العثمانية، فقد كان المسلمون يقرءون القرآن قبل نسخ المصاحف في خلافة عثمان، رضي الله عنه، على وجوه من النطق، وكان بعض تلك الوجوه يخالف خط المصحف، ثم ترك الناس، كل قراءة خارجة عن الخط بعد نسخ المصاحف وإرسالها إلى الأمصار الإسلامية، وقرءوا بالوجوه التي يحتملها الخط من القراءات التي قرأ بها الصحابة، رضي الله عنهم.
وقد سمّيت القراءات المخالفة لخط المصحف بالقراءات الشاذة لأنها جاءت مخالفة لما أجمعت عليه الأمة من نص القرآن الذي نقل بالتواتر، قال علم الدين السخاوي: الشاذ مأخوذ من قولهم شذّ الرجل يشذّ شذوذا، إذا انفرد عن القوم، والذي لم يزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربية توقير القرآن واجتناب الشاذ واتباع القراءة المشهورة ولزوم الطرق المعروفة (٣).

(١) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ٢/ ٢٠٦.
(٢) المصدر نفسه ٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٣) جمال القراء ١/ ٢٣٤.


الصفحة التالية
Icon