وقال أبو منصور الأزهري: «من قرأ بحرف شاذ يخالف المصحف وخالف بذلك جمهور القراء المعروفين فهو غير مصيب، وهذا مذهب الراسخين في علم القرآن قديما وحديثا» (١).
وتلك القراءات المخالفة لخط المصحف التي قرأ بها الصحابة هي جزء من رخصة الأحرف السبعة التي رخص لهم بها النبي ﷺ لكن الإجماع على المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان صيّر تلك القراءات كأنها منسوخة (٢)، وظل كثير من علماء السلف ينقلونها للاستشهاد لا للقراءة، فالفقيه والمفسر واللغوي يذكرونها في كتبهم للاستدلال بها على أمر أو استنباط حكم، أما القراءة بها فمتروكة، لأنهم أجمعوا على تحريم القراءة بالشواذ (٣).
ولم تحظ القراءات الشاذة بعناية علماء القراءة كما حظيت القراءات الصحيحة التي نقلت نقلا متواترا، ومن ثمّ تشكك كثير من العلماء في صحة ما يروى من تلك القراءات، قال إسماعيل القاضي (ت ٢٨٢ هـ) في كتابه في القراءات: «فإذا اختار الإنسان أن يقرأ ببعض القراءات التي رويت مما يخالف خط المصحف صار إلى أن يأخذ القراءة برواية واحد عن واحد، وترك ما تلقته الجماعة عن الجماعة» (٤). وقال أبو عمرو بن العلاء: «إني أتّهم الواحد الشاذ إذا جاء على خلاف ما جاءت به العامة» (٥).
وكان هارون بن موسى العتكي البصري (ت قبل ٢٠٠ هـ) أول من اهتم بالقراءات الشاذة في البصرة، قال أبو حاتم السجستاني البصري (ت ٢٥٥ هـ):
(٢) مكي: الإبانة ص ١٠.
(٣) القسطلاني: لطائف الإشارات ١/ ٧٢ - ٧٣.
(٤) نقلا عن: مكي: الإبانة ص ٢١.
(٥) أبو شامة: المرشد ص ١٨١.