أما أبو بكر شعبة بن عياش فإنه كان لا يمكّن من نفسه من أراد أخذ قراءة عاصم منه (١). كما أنه قطع الإقراء قبل موته سنة ١٩٣ هـ- بسبع سنين وقيل بأكثر (٢). ولعل هذا هو السر في انتشار قراءة عاصم من رواية حفص الذي كان متفرغا للقراءة، بينما كان أبو بكر مشتغلا برواية الأحاديث إلى جانب القراءة، ومن ثم قال يحيى بن معين: هو أصح قراءة من أبي بكر، وأبو بكر أوثق منه، يعني في الحديث (٣).
أما حفص بن سليمان فإنه كان ربيب عاصم، ابن زوجته، وكان ينزل معه في دار واحدة، فقرأ عليه القرآن مرارا، حتى صار أضبط من روى القراءة عن عاصم (٤)، قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم هي رواية أبي عمر حفص بن سليمان. وقال أبو الحسين بن المنادي عن حفص: إنه قرأ على عاصم مرارا، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم، وقال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم (٥).
ولم يلبث حفص أن غادر الكوفة، فأقام في بغداد، وذكر الخطيب البغدادي أنه كان ينزل في الجانب الشرقي من بغداد في محلة سماها سويقة نصر، وأنه لو رأيته لقرّت عينك به علما وفهما (٦). وكان يقرئ بها القرآن. ثم رحل للحج، وجاور بمكة فأقرأ بها أيضا (٧). وذكر أبو بكر الأنباري أنه يروي قراءة عاصم
(٢) ابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٣٢٦.
(٣) الذهبي: ميزان الاعتدال ١/ ٥٥.
(٤) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ٦/ ١٨٦.
(٥) ابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٢٥٤.
(٦) تاريخ بغداد ٦/ ١٨٦.
(٧) ابن الجزري: غاية النهاية ١/ ٢٥٤.