والتدبّر معناه التفكر، مشتق من قولهم: دبّر الأمر وتدبره: أي نظر في عاقبته وما يؤول إليه (١).
وكان تعليم رسول الله ﷺ القرآن لأصحابه يقتضي تفهم معانيه، كما كانت قراءة الصحابة القرآن تقتضي الوقوف على معانيه، يدل على ذلك قول أبي عبد الرحمن السلمي (ت ٧٤ هـ): «حدثني الذين كانوا يقرءوننا: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، أن رسول الله ﷺ كان يقرئهم العشر، فلا
يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا» (٢). والعمل يقتضي الفهم ومعرفة المعاني.
ومن تمام تعليم رسول الله ﷺ القرآن للناس بيان معانيه ومعرفة أحكامه، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) [النحل]. ومن ثمّ «فإن سنّة رسول الله ﷺ تبيّن القرآن، وتدل عليه، وتعبّر عنه» (٣). سواء أكان ذلك البيان قوليا أم عمليا.
واختلف الدارسون في مقدار التفسير الذي بيّنه النبي ﷺ للصحابة، فمنهم من قال: إنه فسّر عدا من الآيات (٤)، ومنهم من قال: إنه بيّن للصحابة معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه (٥).
ويمكن أن يكون الاختلاف في هذه القضية لفظيا، لأن القرآن الكريم أنزل بلغة العرب، وكان لسان المخاطبين به من الصحابة عربيا، فلم يحتاجوا إلى السؤال عن معاني كثير من آيات القرآن، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: «إنما
(٢) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٦/ ١٧٢، وابن مجاهد: كتاب السبعة ص ٦٩.
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٩.
(٤) ينظر: الطبري: جامع البيان ١/ ٣٧، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن ١/ ٣١.
(٥) ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير ص ٣٥.