أنزل القرآن بلسان عربي مبين... فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي ﷺ أن يسألوا عن معانيه، لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه» (١).
وما قاله أبو عبيدة لا يعني أن الصحابة لم يسألوا رسول الله ﷺ عن معنى شيء من القرآن، أو أنه لم يبين لهم من معاني القرآن شيئا، فقد ثبت أن رسول الله ﷺ بيّن معاني الكثير من آيات القرآن، لكنه لم يبين معاني جميع آياته، لأن من القرآن ما استأثر الله بعلمه، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ولا شك في أنه ﷺ لم يفسر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولم يفسر لهم ما استأثر الله بعلمه، مما يجري مجرى الغيوب التي لم يطلع الله عليها نبيه، وإنما فسّر لهم رسول الله ﷺ ما خفي عليهم معناه أو التبس المراد به، مما خصه الله بمعرفته وأطلعه عليه (٢).
ولم يدوّن شيء من التفسير في حياة رسول الله ﷺ لأن التدوين كان موجها إلى حفظ ألفاظ الوحي، وكان ﷺ قد نهى أولا عن كتابة شيء من كلامه غير القرآن، خشية اختلاطه بالقرآن، فقال: «لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، ومن كتب غير القرآن فليمحه» (٣).
ونقل علماء الصحابة إلى التابعين ما سمعوه من التفسير النبوي للقرآن الكريم، وأخذ تابعو التابعين ومن جاء بعدهم تلك الروايات وأوردوها في كتب الحديث وكتب التفسير، وصارت مصدرا أساسيا في تفسير القرآن الكريم، لأنه «مما ينبغي أن يعلم أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي ﷺ... لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم» (٤).
(٢) ينظر: محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون ١/ ٥٣.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨/ ١٢٩، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ٤.
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٧.