ويؤكد هذا الحديث أن للوحي صورتين، لكن يجب ملاحظة تأكيد النبي ﷺ على وعيه لما يلقيه إليه الملك في كلتا الصورتين، فهو يتلقاه بقلبه وينطبع في عقله، وقد قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) [الشعراء].
وأما الجانب الظاهر المتعلق بآثار الوحي المحسوسة فقد تحدث عنها الصحابة، رضوان الله عليهم، ونقلوها إلى أجيال الأمة، وأول ما لاحظوا أن النبي ﷺ كان يعاني من التنزيل شدّة، فقد نقل مسلم بن الحجاج في صحيحه عن عبادة بن الصامت أنه قال: «كان نبي الله ﷺ إذ أنزل عليه كرب لذلك» (١). وأنه إذا أنزل عليه الوحي أخذته البرحاء- كما روى البخاري (٢) - والبرحاء شدّة الحمّى، وهي هنا شدّة الكرب من ثقل الوحي (٣). وقد لاحظ الصحابة تصبب العرق من جبينه، قالت السيدة عائشة، رضي الله عنها: «ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقا» (٤).
وكانت تلك الشّدّة المصاحبة للوحي التي تغشى رسول الله ﷺ يمتد تأثيرها إلى ما يتصل به أو يلامسه، فها هم الصحابة يشهدون رسول الله ﷺ يوحى إليه وهو على ناقته، فتغشى الناقة تلك الشدة، كما روى ابن سعد عن أبي أروى الدّوسي، قال: «رأيت الوحي ينزل على النبي ﷺ وإنه على راحلته، فترغو وتفتل يديها، حتى أظن أن ذراعها ينقصم، فربما بركت، وربما قامت موتّدة يديها، حتى يسرّى عنه من ثقل الوحي، وأنه ليتحدّر منه مثل الجمان» (٥).

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١١/ ١٩٠، والبيهقي: دلائل النبوة ٧/ ٥٤.
(٢) ينظر: ابن حجر: فتح الباري ٥/ ٢٧٢.
(٣) ابن الأثير: النهاية ١/ ١١٣، وابن منظور: لسان العرب ٣/ ٢٣٣ (برح).
(٤) صحيح البخاري ١/ ٤.
(٥) الطبقات الكبرى ١/ ١٩٧، وينظر: البيهقي: دلائل النبوة ٧/ ٥٣. وقال الصحابي عبد الله.


الصفحة التالية
Icon