والدّواة» (١)، فيكتب له الوحي. وكان زيد بن ثابت ألزم الصحابة لكتابة الوحي في حياة رسول الله ﷺ لا سيما أنه كان جار رسول الله ﷺ في المدينة، فقد روى ابن أبي داود عن خارجة بن زيد قال: «دخل نفر على زيد بن ثابت، فقالوا:
حدّثنا بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا أحدّثكم! كنت جار رسول الله ﷺ فكان إذا نزل الوحي أرسل إليّ فكتبت الوحي،... » (٢).
ولا ريب في أن كتابة القرآن في المدينة كانت أيسر منها في مكة، لما كان يعانيه المسلمون من القلة والأذى من المشركين، ومع ذلك جاءت روايات تؤكد أن القرآن كان يكتب في مكة- قبل الهجرة- وأنّ النبي ﷺ كان يأمر بكتابته (٣).
وقد ورد في قصة إسلام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن أوائل سورة طه كانت مكتوبة في رقعة في بيت أخته فاطمة، يتعلمون منها القرآن (٤). ولم تكن هذه الصحيفة إلا واحدة من صحف كثيرة كانت متداولة بين المسلمين في مكة يقرءون فيها القرآن (٥).
ويبدو أن عددا غير قليل من الصحابة كانوا يكتبون القرآن، فكان رسول الله ﷺ يقول لهم: «لا تكتبوا القرآن إلا في شيء طاهر» (٦). وذلك لحاجتهم إلى الكتابة على الأكتاف والجلود ونحوها، ومن ثم كثرت الصحف التي كتب عليها القرآن في أيدي الصحابة حتى إن النبي ﷺ نهى أن يسافر بالقرآن أو المصاحف إلى أرض العدو خشية أن ينالوها (٧).
(١) البخاري: الجامع الصحيح ٦/ ٢٢٧، والذهبي: سير أعلام النبلاء ٢/ ٣٠٨.
(٢) كتاب المصاحف ص ٣، وينظر: أبو الشيخ: أخلاق النبي وآدابه ص ١٩.
(٣) ينظر: ابن عبد البر: الاستيعاب ١/ ٦٨.
(٤) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٣/ ٢٦٧، وابن هشام: السيرة النبوية ١/ ٣٤٤.
(٥) محمد حسين هيكل: الصديق أبو بكر ص ٣٠٩.
(٦) أبو عبيد: فضائل القرآن ١٧ و.
(٧) ينظر: ابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ١٧٩ - ١٨٥.