ثالثا- مراجعة كتابة القرآن:
لم تتوقف كتابة القرآن في حياة النبي ﷺ حتى اكتملت كتابته كله، لكنه لم يكن قد جمع في مكان واحد، وإنما كان مفرقا في الرقاع والألواح والعسب (١).
وقد نقل الطبري عن الزهري أنه قال: «قبض النبي ﷺ ولم يكن القرآن جمع في شيء، وإنما كان في الكرانيف والعسب» (٢).
وكانت كتابة القرآن في زمن النبي ﷺ تخضع للمراجعة والتدقيق، في مرحلتين، الأولى عند كتابة الآيات التي ينزل بها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية مراجعة القطع التي كتب عليها القرآن وترتيبها.
روى سليمان بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد أنه قال: «كنت أكتب الوحي عند رسول الله ﷺ وهو يملي عليّ، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس» (٣). ومعنى قوله: (فإن كان فيه سقط أقامه) إن وجد في الكتابة نقصا أصلحه.
وروى المحدّثون عن زيد بن ثابت أنه قال: «كنّا عند رسول الله ﷺ نؤلّف القرآن من الرّقاع» (٤)، ومعنى التأليف: الترتيب، لأنه يقال في اللغة: ألّفت الشيء تأليفا، إذا وصلت بعضه ببعض، وجمعت بعضه إلى بعض (٥). والرقاع
(٢) جامع البيان ١/ ٢٨.
(٣) الفسوي: المعرفة والتاريخ ١/ ٣٧٧، والطبراني: المعجم الكبير ٥/ ١٤٢، والصولي: أدب الكتاب ص ١٦٥، والسمعاني: أدب الإملاء ص ٧٧، والهيثمي: مجمع الزوائد ٨/ ٢٥٧.
(٤) الترمذي: كتاب السنن ٥/ ٦٩٠، والحاكم: المستدرك ٢/ ٢٢٩، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، والبيهقي: دلائل النبوة ٧/ ١٤٧، وأبو شامة:
المرشد الوجيز ص ٤٤.
(٥) ابن منظور: لسان العرب ١٠/ ٣٥٢ ألف.