وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر».
وتبيّن هذه الرواية المفصلة أن القرآن لم يجمع في صحف منظمة قبل هذا الجمع، وهو ما دلت عليه الروايات التي عرضناها عند الحديث عن كتابة القرآن في حياة رسول الله ﷺ وتسمية ما جمع فيه زيد القرآن بالصحف لا يعني أن تلك الصحف لم تكن على شكل منظم، فقد جاء في بعض الروايات أن تلك الصحف كانت محفوظة بين لوحين، كما روي عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: «رحمة الله على أبي بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين» (١). وجاء في بعض الروايات تسمية تلك الصحف بالمصحف، كما نقل الطبري «أن أبا بكر أول من ورّث الكلالة، وجمع المصحف» (٢).
ولعل التسمية بالصحف كانت قد ظهرت أولا، أخذا من قوله تعالى: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) [البينة]، لا سيما أن القرآن كان أول كتاب عرفه المسلمون في تلك الفترة. ثم ظهرت كلمة (المصحف) بعد ذلك، وهو في اللغة: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين (٣).
ولا شك في أن تلك الصحف كانت من مادة تشبه الورق، ويمكن أن يعمل منها قطع متساوية، يسهل ضمها بين دفتين، على خلاف القطع التي كتب عليها القرآن في زمن النبي ﷺ فإنها كانت غير متجانسة ولا يمكن أن يضم بعضها إلى بعض فتشكل ما يشبه الكتاب. ولا يتبين من الروايات نوع المادة التي كانت منها تلك الصحف، فجاء في رواية أنها من القرطاس، وهو الورق الذي يعمل من

(١) ابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ٥.
(٢) جامع البيان ١/ ٢٨.
(٣) ابن منظور: لسان العرب ١١/ ٨٨ صحف.


الصفحة التالية
Icon