الله ﷺ القرآن عليه، الشيء الكثير، عند ذلك جعل يرتبه ويوازنه ويستشهد عليه، ولا يثبت آية إلا إذا اطمأن إلى إثباتها كما أوحيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (١)
ويتحصل من ذلك حقيقتان اثنتان هما (٢):
الأولى: إن عمل زيد، رضي الله عنه، في جمع القرآن لم يكن كتابة مبتدأة، ولكنه إعادة لمكتوب، فقد كتب كله في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمل زيد هو البحث عن الرقاع التي كان قد كتب عليها والتأكد من سلامتها.
الثانية: إن عمل زيد لم يكن عملا فرديا، بل كان عملا جماعيا شارك فيه صحابة رسول الله ﷺ بما كان معهم من القرآن الذي كتبوه من قبل.
واستغرقت عملية جمع القرآن ما يقرب من سنة، فقد تم ذلك بعد معركة اليمامة، التي وقعت في الأشهر الأخيرة من السنة الحادية عشرة، وقبل وفاة الصديق، رضي الله عنه، التي كانت في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة (٣). ولا شك في أن جمع القرآن تم قبل وفاة الصديق بمدة، إذ إن الرواية تشير إلى أن الصحف التي جمع فيها القرآن أودعت عنده حتى توفاه الله.
لقد كان جمع القرآن من جلائل الأعمال التي ازدان بها عهد الصديق، إن لم يكن أجلها (٤)، لأنه جاء في وقته المناسب، واعتمد على أوثق ما هو متاح من الوثائق. وقد قال الإمام علي، رضي الله عنه: «أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، فإنه أول من جمع القرآن بين اللوحين»، وروي أنه قال: «رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين» (٥).
(٢) ينظر: محمد أبو زهرة: المعجزة الكبرى ص ٣٣.
(٣) تاريخ خليفة ١/ ١٠٥.
(٤) محمد حسين هيكل: الصديق أبو بكر ص ١٦.
(٥) ابن أبي داود كتاب المصاحف ص ٥.