المبحث الثالث توحيد المصاحف
أولا- تعدد المصاحف واختلاف القراءات:
امتدت رقعة الدولة الإسلامية في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، (من سنة ١٣ - ٢٣ هـ) وواكب ذلك الامتداد جهود كبيرة لتعليم الناس القرآن والفقه في الدين، وكان يشرف على تلك الجهود ويوجهها الخليفة نفسه، فقد أرسل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، إلى الكوفة، ليعلم أهلها القرآن والفقه (١). وأرسل عبد الله بن قيس المشهور بأبي موسى الأشعري إلى البصرة ليعلم الناس فيها قراءة القرآن (٢). وبعد فتح الشام كتب واليها يزيد بن أبي سفيان إلى الخليفة عمر بن الخطاب: أن أهل الشام قد كثروا وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن، ويفقههم، فأعنّي يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم، فأرسل إليه عمر كلا من أبي الدرداء ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت، وهم من علماء الصحابة بالقرآن والفقه (٣).
وكان علماء الصحابة الذين نزلوا في الأمصار الإسلامية يعلّمون الناس أمور الدين، ويقرءونهم القرآن، على ما كانوا يقرءون في حياة رسول الله ﷺ الذي رخّص لهم بقراءة القرآن بالنطق الذي يستطيعونه، نظرا لاختلاف لهجاتهم، وتقدّم أعمارهم، ولم يحملهم النبي ﷺ على تعلم نطق معين، وقد عبّر عن تلك الرخصة قوله المشهور: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسّر منه».
وسيأتي تفصيل ذلك في موضوع قراءة القرآن، إن شاء الله.

(١) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٦/ ٧، وابن مجاهد: كتاب السبعة ص ٦٦.
(٢) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٢/ ٣٤٥.
(٣) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٢/ ٣٥٧.


الصفحة التالية
Icon