أرسلت إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة وبقي واحد في المدينة (١). ومهما يكن عدد المصاحف التي كتبت أولا في المدينة فإن المسلمين في الأمصار أقبلوا ينتسخون منها نسخا جديدة تخرج عن العد والحصر، كلها موحدة في الرسم والترتيب.
ولم تحدد الرواية السّنة التي نسخت فيها المصاحف، لكن من العلماء من حدد ذلك بسنة خمس وعشرين من الهجرة، وهو الوقت الذي ذكر أهل التأريخ أن أرمينية فتحت فيه، وقال ابن حجر: «وغفل بعض من أدركناه فزعم أن ذلك كان في حدود سنة ثلاثين. ولم يذكر لذلك مستندا» (٢).
ثالثا- عرض المصاحف:
كان الصحابة وهم ينسخون المصاحف يدركون قيمة العمل الذين يقومون به وما يتطلب من الأناة والدقة، وكانوا يعملون على أساس القاعدة التي حددها لهم الخليفة عثمان، رضي الله عنه، وهي «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش»، وذلك أن زيد بن ثابت كان من أهل المدينة، فربما تأثر رسمه للقرآن ببعض خصائص لهجته، وقال الزهري: «فاختلفوا يومئذ في (التابوت) و (التابوة)، فقال القرشيون (التابوت)، وقال زيد: (التابوة) فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال اكتبوه (التابوت)، فإنه نزل بلسان قريش» (٣).
وجاء في بعض الروايات أن الذين كانوا يكتبون المصاحف ربما اختلفوا في الكلمة، فيتركون مكانها فارغا، ولا يثبتونها حتى يسألوا عنها، وربما يذكرون
(٢) فتح الباري ٩/ ١٧. وقد حدد ابن الأثير في الكامل (٣/ ٥٥) تاريخ نسخ المصاحف بسنة ثلاثين، وتابعه في ذلك ابن خلدون في كتابه العبر ٢/ ١٠١٨.
(٣) الترمذي: كتاب السنن ٥/ ٢٦٦، وينظر الطبري: جامع البيان ١/ ٢٦.