الرجل قد تلقاها عن رسول الله ﷺ ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي فيرسل إليه أو يجيء، حرصا منهم على الدقة في كتابة كلمات القرآن الكريم (١).
وكان الصحابة يدققون في كتابة المصاحف في أثناء العمل (٢)، وبعد إنجازه، فإن المصاحف لم ترسل إلى الأمصار إلا بعد عرضها ومراجعتها، وجاء في بعض الروايات أمثلة للكلمات التي توقف عندها الصحابة ودققوا رسمها، وهي مروية عن هانئ البربري الدمشقي مولى عثمان بن عفان (٣)، ولدينا روايتان في ذلك هما:
الرواية الأولى: قال هانئ: «كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت، فقال زيد: سله عن قوله (لم يتسن)، أو لَمْ يَتَسَنَّهْ (٢٥٩) [البقرة]، فقال عثمان:
اجعلوا فيها هاء»
(٤).
الرواية الثانية: قال هانئ: «كنت عند عثمان، وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أبيّ بن كعب، فيها (لم يتسن) و (فأمهل الكافرين) و (لا تبديل للخلق). قال: فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين وكتب لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (٣٠) [الروم]،

(١) الطبري: جامع البيان ١/ ٢٧، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ٢٣، وأبو شامة:
المرشد الوجيز ص ٦٠، والسيوطي: الاتقان ١/ ١٧٠.
(٢) جاء في رواية جمع القرآن في الصحف فقدان زيد لآيتين من آخر سورة التوبة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ... (١٢٨)، وجاء في رواية أخرى عن زيد بن ثابت أنه قال: فقدنا آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (٢٣)، فألحقناها في سورتها في المصحف. وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك حدث في نسخ المصاحف، لكن آخرين رجحوا أن ذلك كان في جمع القرآن في الصحف أيضا. (ينظر البخاري: الجامع الصحيح ٦/ ٢٢٦، وابن كثير: فضائل القرآن ص ٤٦، وابن حجر: فتح الباري ٩/ ٢١).
(٣) ابن حجر: تهذيب التهذيب ١١/ ٢٣.
(٤) الطبري: جامع البيان ٣/ ٣٧.


الصفحة التالية
Icon