فلم يجدها مكتوبة في أول الأمر، وقد قال زيد في آيتي التوبة: «فألحقتها في سورتها»، وقال في آية الأحزاب: «فألحقناها في سورتها في المصحف».
ومن النصوص الثابتة التي تؤكد أن إثبات ما أثبت في المصحف وطريقة ترتيبه إنما كان بأمر رسول الله ﷺ وتوجيهه، ولم يملك الصحابة إلا الأخذ به
والمحافظة عليه، هذه الرواية التي نقلها البخاري عن عبد الله بن الزبير قال:
«قلت لعثمان بن عفان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً (٢٤٠) [البقرة] قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها؟ قال: يا ابن أخي، لا أغيّر شيئا منه من مكانه» (١). فكل شيء من القرآن قد عرف مكانه، ولا يملك أحد من الصحابة، الخليفة فمن دونه، أن يغيّر شيئا منه.
وكان رسول الله ﷺ ينهى عن خلط آيات السورة بغيرها، ويأمر بقراءة آيات كل سورة على نحو ما قرأها وعلّمها للصحابة، ومن ذلك ما روي عن بلال أن رسول الله ﷺ قال: مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال بلال: أخلط الطيب بالطيب، فقال: اقرأ السورة على وجهها، أو قال:
على نحوها (٢).
إن قراءة النبيّ ﷺ للقرآن على مسمع من أصحابه، في الصلاة وخارجها، وحثه لهم على تلاوته، وما عرف عنهم من كثرة قراءتهم للقرآن، فكان بعضهم يختمه في ثلاثة أيام، وأكثرهم يختمه في سبعة أيام (٣)، واشتهار أسماء سور القرآن بينهم، واتفاقهم على ما تتضمنه من آيات دليل أكيد على أن ترتيب الآيات
الناسخ والمنسوخ ص ٧٢ - ٧٧، ومصطفى زيد: النسخ في القرآن ٢/ ٧٧٦.
(٢) السيوطي: الاتقان ١/ ٣٠٨.
(٣) ينظر: الداني: البيان ص ٣٢١ وما بعدها.