ثالثا- ترتيب القرآن حسب النزول (السور المكية والسور المدنية):
من المعروف أن ترتيب الآيات والسور في المصحف لم يعتمد على تأريخ نزولها، وإنما اعتمد على بيان رسول الله ﷺ وقراءته للقرآن وتعليمه ذلك للصحابة.
ولم يعد تأريخ نزول الآيات والسور محفوظا على نحو مفصل، لأن الصحابة لم يعتنوا بهذا الجانب من تأريخ القرآن، وإنما كانت عنايتهم متجهة إلى حفظه على نحو ما يقرؤه لهم النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إشارات تأريخية ومعنوية ارتبط بها نزول آيات وسور من القرآن ظلت تشير إلى وقت نزولها ومكانه. واعتنى علماء القرآن من الصحابة والتابعين بحفظ تلك الإشارات والبناء عليها، حتى صارت علما من علوم القرآن يسمى بعلم المكي والمدني، وأفرده بالتصنيف جماعة من العلماء (١).
١ - تعريف المكي والمدني من القرآن:
ناقش علماء القرآن تعريف المكي والمدني، واتخذ بعضهم زمان النزول أساسا للتعريف، وجعل تأريخ الهجرة حدا فاصلا. واستند بعضهم إلى مكان النزول في صياغته للتعريف.
التعريف بحسب الزمان: المكي هو ما نزل قبل الهجرة، والمدني هو ما نزل بعدها، سواء نزل بمكة أم بالمدينة، عام الفتح أو عام حجة الوداع، في سفر أو في حضر (٢). وروي هذا التعريف عن يحيى بن سلام البصري المفسر (ت ٢٠٠ هـ) حيث قال: «ما نزل بمكة وما نزل بطريق المدينة قبل أن يبلغ النبي ﷺ المدينة، فهو من المكي، وما نزل على النبي ﷺ في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني» (٣). وهذا هو التعريف المشهور في كتب علوم القرآن.

(١) منهم مكي بن أبي طالب القيسي، والعز الديريني (ينظر: السيوطي: الاتقان ١/ ٢٢).
(٢) الزركشي: البرهان ١/ ١٧٨.
(٣) الداني: كتاب البيان ص ١٣٢.


الصفحة التالية
Icon