بعدها، وكان عدد من الصحابة قد أبدوا اهتماما بهذا الجانب من تأريخ القرآن، على نحو ما نقل ابن سعد عن عبد الله بن عباس أنه قال: «كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله ﷺ وما نزل من القرآن في ذلك. وكنت لا آتي أحدا منهم إلا سرّ بإتياني لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعلت أسأل أبيّ بن كعب يوما، وكان من الراسخين في العلم، عما نزل من القرآن بالمدينة، فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة» (١). وسوف أذكر من نقلت عنهم روايات في ذلك من الصحابة والتابعين في آخر هذا المبحث.
أما القياسي: فإنه يعتمد على جملة من الضوابط التي استخلصها العلماء من الروايات المنقولة عن عدد من الصحابة والتابعين في بيان خصائص السور المكية والسور المدنية، فمن تلك الروايات:
أ- عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: «كل شيء في القرآن يا أَيُّهَا النَّاسُ أنزل بمكة، وكل شيء في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنزل بالمدينة» (٢). ولاحظ بعض العلماء أن (يا أيها الناس) منه مكي ومنه مدني وأكثره مكي (٣).
ب- عن عروة بن الزبير، قال: «ما كان من حدّ أو فريضة أنزلها الله عز وجل بالمدينة، وما كان من ذكر الأمم والقرون أنزل بمكة» (٤).
ج- قال المفسر محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي (ت ٧٤١ هـ): «واعلم أن السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد، والرد على المشركين، وفي
(٢) الحاكم: المستدرك ٣/ ١٨، والبيهقي: دلائل النبوة ٧/ ١٤٤.
(٣) ينظر: الداني: كتاب البيان ص ١٣٢، والزركشي: البرهان ١/ ١٨٨.
(٤) الحارث المحاسبي: فهم القرآن ص ٣٩٤، والبيهقي: دلائل النبوة ٧/ ١٤٤.