ولم تستمر طريقة أبي الأسود الدؤلي في تمثيل الحركات بالنقاط الحمر طويلا، لصعوبتها عند الكتابة، واحتمال التباسها بنقاط الإعجام التي وضعها نصر للتمييز بين الحروف المتشابهة في الرسم، وذلك حين جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (ت ١٧٠ هـ) الحركات حروفا صغيرة مكان النقاط الحمر، وكذلك وضع الخليل علامة للهمزة والتشديد والرّوم والإشمام، واستخدمت العلامات الجديدة تدريجيا، حتى زالت طريقة الدؤلي بعد ذلك (١).
وصارت المباحث المتعلقة بالعلامات الكتابية علما أطلق عليه اسم (علم النّقط والشّكل)، وهو يعالج كيفية استخدام العلامات في رسم المصحف خاصة، ومذاهب العلماء في ذلك، وسمي هذا العلم في العصور المتأخرة بعلم الضبط (٢).
وكتبت في هذا العلم كتب كثيرة (٣)، أشهرها كتاب «المحكم في علم نقط المصاحف»، لأبي عمرو الداني، مؤلف كتاب «المقنع»، وكتاب «المحكم» (مطبوع).
ثالثا- علم العدد القرآني:
كان رسول الله ﷺ يرتّل ويبيّن قراءته إذا قرأ القرآن، وكان يقطّع قراءته ويقف عند رءوس الآيات، وكتب الصحابة رضي الله عنهم، القرآن في المصاحف على نحو ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوه مجردا مما سواه، ولم يكتبوا في المصاحف الأولى إلا ألفاظ الوحي، فلم يكن فيها أسماء السور وأرقام الآيات، ولا علامات الأجزاء ونحوها.
وقد اعتنى علماء قراءة القرآن من الصحابة والتابعين بتعيين رءوس الآيات،
(٢) المارغني: دليل الحيران ص ٣٢١.
(٣) ينظر كتابي: رسم المصحف ص ٤٧٨ - ٤٨٣.