سادسا- المصحف في عصر الطباعة:
يسّرت الطباعة الحديثة نشر آلاف النسخ الموحدة الشكل من المصحف، المزدانة بالورق الصقيل والزخارف المذهبة الجميلة والتجليد المتين المزيّن، والنسخ المتنوعة الحجم، لكن الطباعة لم تغير شيئا من شكل المصحف العام وطريقة كتابته وضبطه، فالمصحف أخذ شكله المتميز منذ وقت مبكر، وأكثر المصاحف التي تطبع اليوم تستنسخ من مصحف مخطوط روعي فيه الشكل الموروث للمصحف.
ويكاد الإجماع ينعقد على أن أول مصحف أخرجته المطابع ورأى النور (١) كان في سنة ١٦٩٤ م، الذي وقف على طبعه هنكلمان في مدينة هامبورج بألمانية (٢). وهو لم يخل من الأخطاء الطباعية (٣)، ثم توالت طباعة المصاحف بعد ذلك ودخلت البلاد الإسلامية فظهرت المصاحف المطبوعة في تركيا ومصر والهند، وطبع المصحف في بلادنا في العقود الأخيرة عدة طبعات على نسخة بقلم الخطاط حافظ محمد أمين رشدي التي كتبها سنة ١٢٣٦ هـ.
وكان خط مصاحف القرآن في القرون الأولى يغلب عليه ما يسمى بالخط الكوفي، ثم تفنن الخطاطون في تطوير الحرف العربي وانتقل إلى الليونة، في القرن الرابع والخامس الهجريين، وغلب على المصاحف رسمها بها صار يعرف بخط النسخ، لكن أهل المغرب طوّروا الخط الكوفي على نحو ظل متميزا وصار يعرف بالخط المغربي، وظلت المصاحف تطبع به في بلاد المغرب، لكن استخدام خط النسخ هو الشائع في المصاحف التي تطبع في معظم البلدان الإسلامية الأخرى.

(١) ذكر الدكتور صبحي الصالح في كتابه (مباحث في علوم القرآن ص ٩٩) أن القرآن ظهر مطبوعا للمرة الأولى في البندقية في حدود سنة ١٥٣٠ م لكن السلطات الكنسية أصدرت أمرا بإعدامه حال ظهوره.
(٢) حفني ناصف: تأريخ الأدب ص ١١٢، ومحمد طاهر الكردي: تاريخ القرآن ص ١٦ و ١٨٦، وصبحي الصالح: مباحث في علوم القرآن ص ٩٩.
(٣) ينظر كتابي: رسم المصحف ص ٦٠٢.


الصفحة التالية
Icon