التعليم في الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده، لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات، وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حال ما ينبني عليه» (١).
إن تتبّع ما ورد في القرآن والأحاديث النبوية عن قراءة القرآن، وما تضمنته سيرة السلف من تعلق بالقراءة وحرص عليها يوضح جوانب من الأهداف والغايات التي تتحقق من قراءة القرآن، والتي تتمثل في كون القراءة وسيلة من وسائل الدعوة، وكونها عبادة تزكو بها النفوس، وهي أيضا أساس للفقه والعمل.
١ - قراءة القرآن وسيلة من وسائل الدعوة:
إن تلاوة القرآن كانت من وسائل الدعوة إلى الإسلام، فكان رسول الله ﷺ يلقى الناس في المواسم، فكان يدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن (٢).
وكان تأثير القرآن في نفوس سامعيه عظيما، على نحو ما كان من موقف النفر الذين لقيهم رسول الله ﷺ في العقبة، وكانوا من الخزرج، فدعاهم إلى الله، عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فأجابوه إلى ما دعاهم إليه، وصدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام (٣). فكان إسلامهم فتحا عظيما في تاريخ الدعوة.
وكان المشركون قد أحسّوا بتأثير قراءة القرآن واجتذابها النفوس إلى الدعوة الجديدة، فتنادوا بينهم: لا تسمعوا لهذا القرآن، كما حكى القرآن قولهم: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) [فصلت]، ولكن الله تعالى خيّب آمالهم، وأخذ القرآن طريقه إلى القلوب (٤).

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٥٣٧.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية ١/ ٣٨٣ و ٣٩١.
(٣) المصدر نفسه ١/ ٤٢٩.
(٤) ينظر: الطبري: جامع البيان ٢٤/ ١١٢.


الصفحة التالية
Icon