وظلت قراءة القرآن تقوم بذلك الدور في نشر الدعوة بعد أن مكّن الله تعالى لدينه، فكانت وفود العرب تأتي إلى المدينة، لا سيما بعد فتح مكة، فكان رسول الله ﷺ يقرأ عليهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام (١).
وكان من حرص النبي ﷺ على تعليم القرآن أنه كان يرسل القراء من الصحابة إلى المواطن التي يفتح الناس فيها صدورهم للدعوة، كما أرسل مصعب بن عمير، رضي الله عنه، بعد بيعة العقبة الأولى إلى المدينة، «وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلّمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين، فكان يسمى المقرئ بالمدينة مصعب» (٢).
وبيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه إنما بعث محمدا ﷺ ليتلو القرآن على الناس، فقال: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) [النمل]. وقد امتدح الله تعالى المؤمنين الذين وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً (٢) [الانفال]، وذمّ الكفار الذين إذا تتلى عليهم آيات الله قالوا: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) [الأحقاف] أو قالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) [المطففين].
٢ - قراءة القرآن عبادة:
إن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار (٣)، ومن ثمّ يستحب الإكثار منها (٤)، وقد بيّن النبي ﷺ ثواب قارئ القرآن وفضله في أحاديث كثيرة، منها قوله:
«اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه... » (٥). ومنها قوله: «من

(١) ينظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى ١/ ٣٠١ و ٣١٢ و ٣٤٤.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية ١/ ٤٣٤.
(٣) النووي: الأذكار ص ٩٥.
(٤) السيوطي: الاتقان ١/ ٢٩٢.
(٥) صحيح مسلم بشرح النووي ٦/ ٩٠، والمنذري: الترغيب والترهيب ٢/ ٣٦٩.


الصفحة التالية
Icon