إلا طريق جهنم..
الآية "
للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف الكنايتين عما إليه الهداية الممنوعة عمن ذكر فى الآيتين مع استواء حال من ذكر فيهما من التلبس بالزيادة على الكفر وفى الجزاء بعدم الغفران ومنع الهداية ومع أن مسمى السبيل والطرق واحد فما وجه اختلاف الكناية باسم السبيل فى الأولى والطرق فى الثانية؟
والجواب والله أعلم: أن السبيل والطريق وإن استويا واتحد معناهما فيما ذكر فبينهما فرق واضح عن حيث أن مواضع السبيل أكثر ترددا فى الكلام ففى إطلاق لفظه توسعه وعموم ليست فى إطلاق لفظ طريق فقد ورد ذكر السبيل فى الربع الأول من الكتاب العزيز فى بضع وخمسين موضعا أو نحو ذلك من ذلك فى سورة البقرة أربعة عشر موضعا أولها قوله تعالى: "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل " وآخرها قوله تعالى: "للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله " وفى آل عمران ستة مواضع وفى النساء ستة وعشرون موضعا وفى المائدة والأنعام تسعة مواضع ولم يقع ذكر الطريق فى كتاب الله كله إلا فى [أربعة مواضع] ثم إن اسم السبيل مع ما تقرر من كثرة ترداده أغلب وقوعا فى الخير وسبيل السلامة إفصاحا وإشارة، ولا يكاد اسم الطريق يرد مرادا به السلامة والخير إلا مقرونا بوصف أو إضافة أو ما يخلصه لذلك كقوله تعالى: "يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم ".
وإذا تقرر هذا فقوله تعالى فى الآية الأولى: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " حاصل منه وسم هؤلاء بشر وصف وأعظمه وأبلغه بأقصى غاية فى شنعة المرتكب فليست حال من كفر بعد إيمان كحال من لم يتقدم كفره إيمان قال تعالى فيمن توعده بأشد الوعيد: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "
إلى ما وصفوا به من استحبابهم الحياة الدنيا على الآخرة وإنما وقع ذلك منهم بعد علمهم بكيان الآخرة وتصديقهم بها ثم اختاروا الدنيا عليها فحالهم حال من أضله الله على علم ولا أسوأ حال من هؤلاء.
أما الموصوفون فى الآية الثانية بالكفر والظلم فدون هؤلاء فى شنعة المرتكب والمبالغة فى الضلال ألا ترى أن حال الكافر الذى لم يتقدم منه إيمان ليست كحال من تقدم منه إيمان لكفر هذا على علم ولا حال من وصف بالظلم وإن كان يقع على الكفر وما دونه كحال من وصف فى الآية الأولى بعوده


الصفحة التالية
Icon