إلى الإيمان ثم إلى الكفر بعد ذلك ثم الازدياد فى الكفر فلما بلغت حال هؤلاء فيما وصفوا به أشنع غايات الكفر والضلال وأشدها تخبطا ناسب ذلك الكناية عما صدوا عنه ومنعوه "بالسبيل " مناسبة بين حالهم والممنوع من محسود مآلهم ولما لم يكن وصف الآخرين بالكفر والظلم يبلغ شنعة المرتكب مبلغ أولئك عدل فى الكناية عما منعوه إلى ما يناسبه وجرى كل على ما يجب ويناسب ولم يكن عكس الوارد ليلائم ولا ليناسب والله أعلم.
الآية السادسة عشرة:
قوله تعالى: "إن تبدوا خيرا أو تخفوه تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا " وفى سورة الأحزاب: "إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما "
للسائل أن يسأل هنا فى ثلاثة مواضع: أحدها قوله: "إن تبدوا خيرا " وفى الأحزاب "شيئا " فيسأل عن وجه الفرق؟ والثانى: ما الموجب لخلاف جواب الشرط فى الآيتين؟ ففى الأولى "فإن الله كان عفوا قديرا " وفى الثانية "فإن الله كان بكل شئ عليما " والثالث: زيادة قوله فى الأولى "أم تعفوا عن سوء ".
والجواب عن الأول: إن قوله تعالى "إن تبدوا خيرا أو تخفوه " مقصود به خصوص طرف الخير وعمل البر جريا على ما دارت عليه سورة النساء وتردد فيها من إصلاح ذات البين والندب إلى العفو والتجاوز عن السيئات ألا ترى قوله تعالى لمقتسمى الميراث فيمن حضره من ذوى القربى وذوى الحاجات "فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا " وقوله فى الآيتين الفحشة "فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما " وقوله فى النساء "وعاشروهن بالمعروف " وقوله "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " وقوله "فأعرض عنهم وعظهم " وقوله "وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما " إلى أمثال هذه الآى مما يطول ذكره ولا يكثر فى غير هذه السورة ككثرته فيها ومن هنا لم يتعرض فيها لأحكام الطلاق وان كانت السورة مبنية على أحكام النساء لكن خص من ذلك ما فيه التآلف والإصلاح وما يرجع إلى ذلك ولم يرد فيها من أحكام الطلاق الا ما أشار إليه قوله تعالى "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته " فذكر هذا القدر عند استدعاء معنى الكلام وتمام المقصود به إليه بأوجز لفظ وبما يؤنس الفريقين ولم يذكر فيها اللعان ولا الظهار ولا الخلع ولا طلاق الثلاث بل ذكر فيها استحاب العشرة