النفوس من بغضهم على إساءتهم ما وقر فاستوت الآيتان بأمر المؤمنين بمكارم الأخلاق ثم اختلف تعليق ما حذروا منه أن يحملهم عليه لحظ ما بقى فى نفوسهم فقيل فى الآية الأولى: "أن تعتدوا " وفى الثانية: "على ألا تعدلوا " والاعتداء أشد وأعظم من عدم العدل فللسائل أن يسأل عن وجه ما ورد فى كل من الموضعين ومناسبته لما تقدمه.
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن الآية الأولى ورد فيها الإفصاح بعلة البغضاء الحاملة على الانتصار والانتقام وهى صدهم عن البيت الحرام عام الحديبية وذلك قوله تعالى: "أن صدوكم " أى من أجل أن صدوكم أى منعوكم فـ "أن " هنا مصدرية فى موضع المفعول من أجله فلما وقع الافصاح بسبب الشنئان ناسب النظم الافصاح بالعقوبة عليه وهو الاعتداء بالانتقام والمجازاة السيئة بالسيئة لولا ما ندب سبحانه إليه من التخلف الايمانى المشروع للمؤمنين تقديمه واختياره فقيل: "أن تعتدوا " أى لا يحملنكم ذلك على أن تعتدوا أى على الاعتداء أولا يكسبنكم ذلك المرتكب الفارط منه الاعتداء ولما لم يرد فى الآية الثانية إفصاح بجريمة بل بنيت على أمر المؤمنين بالعدل فقا تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " فلما أمروا بالعدل ناسب ذلك وصيتهم وأمرهم ألا يحملهم شئ على ترك العدل الذى أمروا به فقيل "على ألا تعدلوا ".
فوضح جليل الالتئام والمناسبة وورود كل من المنهى عن ارتكابه فى الآيتين على ما يجب ويناسب ولا يمكن خلافه والله أعلم.
الآية الرابعة فى سورة المائدة:
قوله تعالى: "وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " وفى النحل: "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون " فورد فى الآيتين إتمام نعمته سبحانه على عبادة بعبارة متحدة ثن اختلف النترجى منه سبحانه جزاء على ذلك.
والجواب والله أعلم: أن آية المائدة خطاب للمؤمنين بما يجب عليهم من الطهارة لصلاتهم وتعليم لهم كيفية عملهم فى ذلك وإنعام عليهم برخصة التيمم إذا عدموا الماء وكل هذا مستوجب للشكر لله سبحانه فقيل فى ختام هذه الآية "لعلكم تشكرون " وأم آية النحل فإن السورة كلها مكية إلا آيات من آخرها وغالب حالها أنها خطاب لكفار قريش وما كان مثلهم ألا ترى افتتاحها بقوله تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه " وإنما هذا خطاب للمرتابين فى الساعة تكذيبا وكفرا ثم قال "سبحانه وتعالى عما يشركون " وقرئ بالتاء فأوضح أن الخطاب