والثانية قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط...
الآية " وقد وقع فيما بين هاتين الآيتين قوله تعالى: "اذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به " ولم يقع أثناء هذه الآى إشارة إلى غيرهم ولا انجر معهم أحد من سواهم لم يحتج إلى تخصيص الخطاب الوعدى فأطلق القول ولم يقيد بأن يقال "منهم " ولا علمت وعد فى مفعولها الثانى كما جاء ذلك كله فى آية الفتح بل عدل عن عملها فى لفظ المغفرة وجئ بالجملة فى موضع المفعول وقطع بقوله لهم على الابتداء والخبر ليكون أبلغ فى استحقاقهم ذلك وأما آية الفتح فأعقب بها التمثيل الجارى فى ذكر الزرع فى قوله تعالى: "يعجب الزراع لغيظ بهم الكفار " مع أن العلية الموصوفين بقوله: "أشداء على الكفار رحماء بينهم " إلى ما وصفوا به وعرف أنه مثلهم فى التوراة وأن مثلهم فى الانجيل قد كان كذا فمع ما وصفوا به قد عاصرهم وكان فى أيامهم ومعهم من علم نفاقه فمن كان يتظاهر بالإيمان ويسر الكفر: "وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " وقد صاروا معهم بظاهر أمرهم وأعلم بذلك قوله تعالى: "ويحلفون بالله أنهم لمنكم وما هم منكم " وعرف سبحانه بأحوالهم وحذر نبيه والمؤمنين منهم فقال: "ولا تطع الكافرين والمنافقين " وقد شمل الكل عموم قوله "والذين معه " بظاهر الإيمان إذ كانوا يتظاهرون بما وصف به المؤمننو فجئ هنا بالوعد محرزا مخرجا منه من كان يتظاهر بالإيمان ويلزق بالمؤمنين وليس منهم فقيل "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم " فجئ بقوله "منهم " ليحرز هذا المعنى الجليل فمن على هذا للتبعيض.
أما آية المائدة فلا يتناول قبلها مما ذكر من الآيات غير المخلص فى إيمانه بخصوص خطابهم بما لا يتناول غيرهم من قوله "يأيها الذين آمنوا " فخصصوا بالنداء ولا يتناول إلا مؤمنا أما مع فيتناول المجتمعين فى الظاهر من حيث تألف أشخاصهم وإن اختلفت قلوبهم ويدل على ذلك قول المنافقين فى القيامة للمؤمنين "ألم نكن معكم " وجواب المؤمنين لهم بقوله "بلى " أى قد كنتم معنا ولكن لم تكونوا مخلصين هذا معنى قولهم "ولكنكم فتنتم أنفسكم...
الآية " فقد كانت معية فى الظاهر وصح إطلاقها لغة وهذا القدر من الاحتمال فى اللفظ وإن لم يكن مقصودا فى المعنى حسن التحرير والتحرز فى آية الفتح بقوله منهم أما قوله: "وعد الله الذين آمنوا " بعد أن لم يتقدم إلا ذكر من أفصح بلسانه وإنما الإيمان عمل قلبى لأنه