أما آية الفتح فقبلها إخباره سبحانه عن المتخلفين عن غزوة الحديبية قال تعالى: "سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفرلنا " ثم أعلم تعالى نبيه عليه السلام والمؤمنين أن قول المخلفين قول بألسنتهم غير مطابق لما فى قلوبهم فقال تعالى: قل يا محمد من يملك لكم معشر المخلفين من الله شيئا أى من يدفع عنكم الضر إن أراده بكم أو يوصل إليكم النفع إن منعه عنكم فالإخبار إنما هو عنهم وتقدير النفع والضر مرفوعا أو لاحقا خاص بهم لم يرد بذلك غيرهم فورد بخطاب المواجهة فقال "لكم " ولم يكن بد من ذلك ليعلم أن الإخبار عنهم والخطاب بما بعد لهم فجاء كل على ما يناسب ويجب ولا يتصور فيه العكس والله أعلم.
الآية التاسعة وهى من تمام هذه التى فرغنا منها وهى قوله تعالى إثر قوله "ومن فى الأرض جميعا " فقال: "ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شئ قدير " وقال تعالى فيما بعد: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير " للسائل أن يسأل عن تعقيب الأولى بقوله: "يخلق ما والله على كل شئ قدير " وتعقيب الثانية بقوله "وإليه المصير ".
والجواب عن ذلك: أنه سبحانه لما ذكر فى الأولى قدرته وعظيم سلطانه فى قوله: "قل من يملك لكم من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا " وعرف سبحانه أنه لا معاند له ولا مانع لما يريده أشار بقوله "يخلق ما يشاء " إلى ما أفصح به قوله: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين " وقوله "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد "فصارت الآية بهذا فى قوة أن لو قيل: قل من يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك من ذكر ويأت بآخرين سواهم فأعقب هذا بقوله "والله على كل شئ قدير " وهذا واضح.
ولما قال فى الآية الأخرى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " ثم ذكر تعذيبهم بذنوبهم بأنه سبحانه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء أعقب هذا بما يشير إلى وقت التعذيب وظهرو المغفرة والمجازاة فقال "وإليه المصير " وهذا واضح أيضا فلما اختلف مقصود الآيتين أعقبت كل واحدة منهما بما يناسب مقصودها بالقهر فى الأولى