الله الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش " فذكر سبحانه ما تقرر وتحصل من خلق السماوات والأرض مما لا تكرر فيه وهما أعظم آياته وأعقب سبحانه بقوله: "ثم استوى على العرش " محمولا على ما تقرر بثم المقتضية التنبيه على جليل الحال فيما يعطف بها والتحريك للاعتبار بذلك وموقعه ورتبته حيث لا يراد مهلة الترتيب الزمانى لأن موضوع ثم فى اللسان قصد الترتيب الزمانى مع المهملة حيث يراد ذلك وقصد الترتيب الاعتنائى والتنبيه على حال ما عطف بها حيث لا يقصد زمان ولا يلحظ كقوله تعالى: "إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " فهذا وارد مورد الدعاء على من يخاطب به البشر كما يرد التعجب والترجى وربنا المنزه عن ذلك كله ولكن خوطب البشر على ما يتعارفون ويجرى بينهم فلما قال سبحانه: "ثم استوى على العرش " فذكر ما هو تعالى عليه منزها عن الآنية والتمكن المكانى والمناسبة والحلول جل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، فلما ذكر تعالى من هذه الأفعال العظيمة ما ذكر مما لا يتكرر أعقب سبحانه بما يتكرر ويتوالى من إنعامه على الخليقة مما به قوام أحوالهم ومصالح عيشهم، فقال سبحانه: "يغشى الليل النهار " وأورد ما يتوالى بطول نواله العالم بمشيئته ويتجدد عليهم مما به قوام حالهم إلى انقضاء الأمد المحدود ومجئ اليوم الموعود واتبع هذا التعريف بما يجارى الجمل الاعتراضية حال الكلام مما يلائم ويناسب ذلك تعريفه بقوله: "ألا له الخلق والأمر "، فأعلم باعتراضه لخلق ذلك كله وتصرف أمره فى الجميع بما شاء وأخبر بتعاليه وعظمته فقال: "تبارك الله رب العالمين "، وأمر عباده بالدعاء والتضرع إليه وحذرهم وذكرهم باستصحاب الخوف وتلك حال الموقنين إذ لا يؤمن مكره ولا ييأس من روحه، ثم رجاهم بقرب رحمته ممن أحسن ثم عاد الكلام إلى التذكير بجليل المتوالى من إنعامه وعظيم ألطافه فقال: "وهو
الذى يرسل الرياح نشرا بين يدى رحمته " فانتظم آخر الكلام بأوله وارتبط عوده ببدئه وتناسب أوضح تناسب بما يفهمه الفعل المضارع من التكرر من حيث لا يمنع ذلك ولو ورد هنا بلفظ الماضى لما ناسب لما يقتضيه الانقطاع إلا لحامل والله أعلم.
وعلى هذا النحو جرى الوارد فى سورة الروم فإنه ورد قبل الآية قوله تعالى: "ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات " فذكر من آياته وإنعامه بإرسال الرياح وإجراء الفلك ليبتغى فضله ويطلب الرزق منه حال الظعن والإقامة ثم اعترض بقوله تأنيسا لرسوله ووعدا بنصره: "ولقد أرسلنا من قبله رسلا إلى قومه فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا


الصفحة التالية
Icon