الله قريب من المحسنين " وفى هذا كله استلطاف وتعطف ترج ومن نحو هذا الاستلطاف ومجاريه فى قوة الترجى قوله سبحانه فى سورة الفرقان: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا... "الآية، ثم قال: "هو الذى جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " فهذا أعظم استلطاف فناسب الوارد فى السورتين من هذا قوله تعالى عقب إرسال الرياح قوله: "نشرا بين يدى رحمته " ولما يرد فى سورة الروم ولا فى سورة الملائكة مثل ذا الاستلطاف ولا بعضه لم يتبع ذكر إرسال الرياح بما اتبع فى آيتى الأعراف والفرقان إذ لم يكن ذلك ليناسب فجاء كل على ما يجب ويناسب والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية الأعراف لما قيل فيها: "فأخرجنا به من كل الثمرات " فعم بكل وهى من نصوص ألفظ العموم ناسب ذلك ورود ما يفهم كثرة ماء السحاب إذ لا يحصل منه إخراج ما يقدر إخراجه من كل الثمرات الا بكثرته فذكر استقلال السحاب الكثير وهو الذى يعطيه قولا "ثقالا " وانما تثقل بكثرة مائها وذلك يثقلها ولا يكون استقلالها بما يثقلها من الماء الا بعد إشارتها فكأن قد قيل: أثارت الرياح السحب فأثقلتها بالماء الكثير فناسب هذا كله ولم يكن مجرد ذكر إثارة السحاب ليعطى كثرة مائها وتكثير الثمر المخرج به مع أن الإثارة مفهومة فحصل فى هذا النظم العلى الإيجاز والوفاء بالتوسعة والتعميم المقصود ولما لم يقع فى الآى الأخر توسعة فى المخرج بالماء وقع الاكتفاء بذكر إثارة السحاب وحصل إرسالها الماء مما بعد.
فإن قلت: فقد ورد فى سورة الملائكة: "فأحيينا به الأرض بعد موتها " وذلك تعميم ومع ذلك فقد وقع الاكتفاء فيها بقوله: "فتثير سحابا " قلت لفظ الأرض لا يعم فى كل موضع إذ ليس من ألفاظ العموم بدليل قوله تعالى: "إن فرعون علا فى الأرض " وهو لم يستول إلا على بعضها وبدليل قوله تعالى: "أو ينفوا من الأرض " وبالجملة فليست الألف واللام هنا للعموم ولا هى حيث تفهم العموم بمنزلة كل وطرأ وأجمعين ولا نزاع فى هذا فالاكتفاء فى سورة الملائكة بذكر الاثارة فقط بين.
وأما سورة الروم فليس فيها عموم بل فيها خصوص حاصل من التقييد بقوله: "فإذا أصاب له به من يشاء من عباده "، والاكتفاء فيها بذكر إثارة الرياح السحاب أبين شئ فجاء كل على ما يناسب ولا يمكن خلافه.