بالله وبرسوله " وقد ورد على أبلغ وجوه التأكيد وحصل حصر المانع من القبول فى كفرهم وأنه لو لم يكن الكفر لكان القبول فناسب هذا التأكيد الذى بلغ به الغاية زيادة الباء فى قوله "وبرسوله " لإعطائها معنى التأكيد وإحرازها إياه.
ولما لم يكن هذا التأكيد الحصرى واقعا فى الآيتين بعد وإنما وكد فيها بأن قال تعالى: "ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله " وقال تعالى: "إنهم كفروا بالله ورسوله " فلم يبلغ بهذا الاخبار مع تأكيده وقوته مبلغ الأول لم تلحقه الباء وجاء كل على ما يجب والله أعلم بما
أراد.
الآية السادسة من سورة براءة قوله تعالى فى المنافقين: "ولا ينفقون إلا وهم كارهون فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم فى الحياة الدنيا " وقال فيما بعد: "ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا " فحملت الآية الأولى على ما قبلها بالفاء والصانية بالواو وزيدت لا النافية فى الأولى وسقطت من الثانية وقيل فى الأولى "ليعذبهم " وفى الثانية "أن يعذبهم " وقال فى الأولى "فى الحياة الدنيا " واكتفى بالوصف فى الثانية فقيل "فى الدنيا " فتلك أربع سؤالات.
والجواب عن الأول: أنه لما وصف تعالى أقوال المنافقين فى كفرهم وشتى مرتكباتهم وقرر ما هم عليه فى آيات إلى قوله: " وما منعهم أن تقبل منهم نفاقتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون " فلما عرف بأحوالهم قال لنبيه عليه السلام: "فلا تعجبك أموالهم " وكان الكلام فى قوم أن لو قيل: إذا عرفت أحوالهم فلا تغتر بما لديهم فتظن أن ما مكناهم فيه ومنحناهم إياه من مال وولد إحسان عجلناه لهم "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون "، "وإنما نملى لهم ليزدادوا إثما " فالكلام فى قوة الشرط والجزاء فكان موضع الفاء.
أما قوله فى الآية الأخرى: "ولا تعجبك أموالهم وأولادهم " فمنسوق على قوله: "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك أموالهم وأولادهم " وكل هذا نهى له ﷺ أن يفعله وليس كالأولى فى أن ذكر مرتكباتهم ما بنى نهيه عليه السلام عليه فيتصور فيه معنى شرط وجزاء فلا مخل للفاء هنا ولا هو موضعها.


الصفحة التالية
Icon