والجواب عن الثانى: أن الآية الأولى مقصود فيها من التأكيد ما لم يقصد فى الثانية لما قيل له عليه السلام: " وما منعهم أن تقبل منهم نفاقتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله " وذكر له من قبح مرتكباتهم أشنعها أكد نهيه عليه السلام عن أن يلتفت إليهم تنزيها لقدره العلى عن الصغو إلى ما حاصله إملاء ولأهله فى الحقيقة استدراج وعناء فدخلت لا النافية تأكيدا يناسب هذا القصد ولما لم يكن فى الآية الأخرى اشتراط وجزاء يقتضى التأكيد فلم تخل لا فجاء كل على ما يجب ويناسب.
والجواب عن السؤال الثالث: أن قوله فى الآية الأولى: "إنما يريد الله ليعذبهم " بلام كى مناسب لما فى الآية من التأكيد إذ لا تقتضى تراخيا فناسب هذا ما ذكر من التأكيد أما قوله فى الآية الثانية: "إنما يريد الله أنيعذبهم " فيقتضى أن التأكيد لما لم يبلغ فى هذه الثانية مبلغ الأولى بما تقدم فيها أشعرت أن بما فيها من التراخى فأن هذه ليست من التأكيد فى نمط الأولى وهذا رعى مناسبة لفظية إذ الاخبار بحالهم واحد فى الآيتين من غير فرق.
فإن قيل فإن لام كى فى قوله تعالى: " ليعذبهم " تقدر بعدها أن على قول الجمهور فقد تساوت الآيتان قلت ليس المعنى مع تقديرها هو المعنى مع ظهورها بل لظهورها حكم لا يكون فى تقديرها وقد نص سيبويه رحمه الله على ذلك فى باب الجواب بالفاء من كتابه أنه كلام العرب فتبين أن قوله تعالى: " ليعذبهم " ليس كقوله: "أن يعذبهم " فيما يعطيه ظهور أن من التراخى والله أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن قوله "فى الحياة الدنيا " فى الآية الأولى بالجمع بين الصفة والموصوف مناسب أيضا وملائم أوضح ملاءمة للتأكيد الجارى فيها، أما الآية الأخرى فلا تأكيد فيها فناسب ذلك الاكتفاء بقوله: "فى الدنيا " وجاء الكل على ما يجب ويناسب.
الآية السابعة من سورة براءة قوله سبحانه وتعالى: "وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " وقال بعدها: "إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون " فيهما سؤالان: قوله فى الأولى "وطبع على قلوبهم " ببناء الفعل للمفعول مكتفى به، وفى الثانية "وطبع الله " ببناء الفعل على