مقالهم فقال: "تكاد السماوت يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمان ولدا " أى من أجل ادعائهم الولد لله سبحانه ثم قال: "وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا " وكيف والكل عبيده وملكه: "إن كل ما فى السماوت والأرض إلا آتى الرحمان عبدا " وهو الغنى عن العالمين فلما كان موضع تأكيد ناسبه الاتيان بما والتأكيد بها وإن كان المعنى حاصلا دونها.
والجواب عن السؤال الثالث: أن ورود "من " فى الآية المتوسطة مناسب لما قصد بها وبنيت عليه ألا ترى أن ما ثبت قبل هذه الآية من قوله تعالى: " ولا يحزنك قولهم " فأنسه تعالى وثبته كما قال فى موضع آخر: "قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " فتأمل عظيم هذا التأنيس وما تضمنه قوله: "فإنهم لا يكذبونك " من وضوح صدقه عليه السلام وتصديقه فلم يبق إلا الحسد وقصد إطفاء نور الله: "زيأبى الله إلا أن يتم نوره " فلما قال له تأنيسا وتكفلا لحفظه إياه: "ولا يحزنك قولهم " أتبع ذلك سبحانه بإعلامه إياه أن العزة له جل جلاله لا يشركه فى ذلك أحد ولا يعتز مخلوق إلا بإعزازه يعز من يشاء ويذل من يشاء وإلى ذلك أشار قوله "جميعا " ثم قال: "هو السميع العليم " أى لا يخفى عليه مقالهم فيك وما يسرونه من مكر أو مكيدة ثم أعلمه باحتواء ملكه سبحانه على ما أعلمه به فى قوله: "ألا إن لله من فى السماوات والأرض " فهو يعزك بإمداده إياك بمن شاء من مخلوقاته "ولله جنود السماوات والأرض " ولما كان تأييده عليه السلام فى الغالب عند لقاء أعدائه إنما يكون بالملائكة والمؤمنين لذلك ما ورد التعبير بمن وكررت تأكيدا فقيل: "ألا إن لله من فى السماوات ومن فى الأرض " وهو مؤسده وممده بمن شاء من عباده: "ولا يحزنك قولهم " وقد وضح أن كل آية من هذه الآيات لا يناسبها غير ما اتصلت به ولا يمكن على ما تبين وقوع واحدة منهما فى موضع الأخرى والله أعلم بما أراد.
الآية السادسة من سورة يونس: قوله تعالى: "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " وفيما بعد من هذه السورة: "وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " وفى سورة الزمر: "وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون "