وفى آخر السورة: "وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين " فورد فى الموضعين من سورة يونس "بالقسط " وفى الموضعين من سورة الزمر "بالحق " فللسائل أن يسأل عن الفرق؟
ووجه ذلك والله أعلم أن القسط يراد به العمل والتسوية فى الحكم فمظنة وروده حيث يراد موازنة الجزاء بالأعمال من غير زيادة كما قال تعالى فى جزاء الكافرين: "جزاء وفاقا " أى موازنا لأعمالهم موافقا لها: "ولا يظلم ربك أحدا " والحق الصدق فوروده حيث يراد تصديق وعيد أو إخبار متقدم وإن الله سبحانه وعد المؤمنين بزيادة الأجور والإحسان بما يفوت الغايات ويفوق الحصر ولم يجعل جزاءهم على أعمالهم الدينية وفاقا لأعمالهم فى مقادير الجزاء بل قال تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وقال تعالى: "وسنزيد المحسنين " وقال تعالى: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " ومنه جعل الحسنة بعشر أمثالها وهذا كثير فى الكتاب والسنة ولما كان الوارد فى آيتى الزمر منزلا على الحكم حقا بين النبيين والشهداء والملائكة قال تعالى: " وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم " وقال تعالى: "وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم " والضمير فى الأولى إما أن يكون للنبيين والشهداء ولا كونه فى أن هؤلاء ممن يضاعف أجورهم فجئ بقوله "بالحق " تصديقا لما وعدوا من الزيادة وليس موضع ورود القسط وإما أن يكون للخلق كافة وفيهم المؤمن والكافر فورد قوله "بالحق " تصديقا لما ورد فى حق الفريقين من الزيادة فى أجر المؤمن والعدل فى حق الكافر فلا يظلم مثقال ذرة وإنما جزاؤه وفاق عمله ولا يصح هذا إن لو قيل: "وقضى بينهم بالقسط " وعلى هذا ما ورد فى الآية الأخيرة من فروق.
وأما آيتا يونس فقد تقدم الأولى منهما غير ما آيات فى تأنيس نبينا ﷺ وتعنيف كفار قريش ووعيدهم وتسليته عليه السلام فى إبراهيم ألا ترى ختام الآى قبلها بقوله: "وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم " أى فسأجرى تكذيبهم عيانا لا يجدون محيصا عنه ثم قال: "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم " أى حضرهم فى القيامة وقد كذبوه فى الدنيا قضى بينهم وبينه فصدق زكذب معانده فنجا المصدق وهلك المكذب ولما لم يقصد هنا تفضيل أحوال المصدقين بل


الصفحة التالية
Icon