لحظ الطرفان من التصديق والتكذيب كان موضع التعبير بالقسط الذى هو العدل بين المصدق والمكذب وإنما بناء الآى على إرغام المكذبين ولا يناسب هذا إلا ذكر العدل بحسب ما بنيت عليه الآى قبله وأما قوله فى الآية بعد: "واشتروا الندامة لما رأوا العذاب " فمسرو ندامتهم هم المكذبون وهم المشاهدون العذاب والضمير فى قوله: "وقضى بينهم " عائد عليهم فليس موضع التعبير بقوله "بالحق " لما قد تبين فقد وضح ورود كل من هذه الآى على ما يناسب ويلائم ولا يناسب خلافه.
الآية السابعة قوله تعالى: " إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وما تكون فى شأن " وقال تعالى فى سورة غافر: "إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " فأظهر هنا ما أضمر فى الآية الأخرى فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب والله أعلم أن آية غافر لما تقدمها قوله تعالى: " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ومقصود هذه الآية تحريك الخلق للاعتبار ةالتذكير بما نصب سبحانه من الدلائل والآيات فاقتضى ذلك تكرار الظاهر كما فى آية التذكير والتنبيه ثم جئ بعد هذا بقوله: "إن الله لذو فضل على الناس " فنوسب بين هذا وبين ما تقدم لتجئ هذه الآى على منهاج واحد من التذكير فاقتضت الثانية تكرير الظاهر.
وأما آية يونس فإنما تقدمها تأنيس بقوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا... "الآية ثم رجع الكلام إلى تعنيف الكفار فى تحكيمهم فقال: "قل أرأيتم ما أنزل لكم من رزق... " الآية ثم قال: "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة " ولم يتقدم تكرير يطلب بمناسبة فلذلك ورد الكلام على ما هو الأصل من الاتيان بالضمير ليحصل به ربط الكلام فجاء كل من الموضعين على ما يقتضيه ما قبله رعيا لتناسب الكلام.
الآية الثامنة من سورة يونس: قوله تعالى: "وما يعزب عن ربك مثقال ذرة فى الأرض زلا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين " وفى سورة سبأ: "عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين " وقال فيما بعد: "قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض وما لهم فيهما